وهو محصّل كلام ابن تيمية، وهذه نتف من كلامه الطويل الذي شرّق فيه وغرّب تضييعاً للحق وتعتيماً للحقيقة، قال: «والجواب: إن هذا الكلام كلّه لا يخرج عن قسمين: إما كذب في النقل وإما قدح في الحق. فإن منه ما هو كذب معلومٌ الكذب أو غير معلوم الصدق، وما علم أنه صدق فليس فيه ما يوجب الطعن على عمر، بل ذلك معدود من فضائله ومحاسنه التي ختم اللّه بها عمله… .
ومن هذا الباب أمر الشورى، فإن عمر بن الخطاب كان كثير المشاورة للصّحابة، وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن هؤلاء الستة أحق من غيرهم، وجعل التعيين إليهم خوفاً أن يعيّن واحداً منهم ويكون غيره أصلح لهم، وهذا أحسن اجتهاد إمام عالم عادل ناصح لا هوى له… فرأى الأمر في الستة متقارباً، فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، فترك التعيين خوفاً من اللّه تعالى، واللّه تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان، فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة، وإذا كان من الأمور أمور لا يمكن دفعها فتلك لا تدخل في التكليف!
ومما ينبغي أن يعلم أن اللّه تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح لا لرفع الفساد بالكلية! ولا ريب أن الستة الذين توفّي رسول اللّه وهو عنهم راض الذين عيّنهم عمر، لا يوجد أفضل منهم وإن كان في كل منهم ما كرهه، فإن غيرهم يكون فيه من المكروه أعظم… وإذا كان الواحد من هؤلاء له ذنوب، فغيرهم أعظم ذنوباً وأقل حسنات…»(1).
وقال ابن حجر العسقلاني: «وفي قصة عمر هذه من الفوائد: شفقته على المسلمين، ونصيحته لهم وإقامته السنة فيهم، وشدّة خوفه من ربّه، واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه»(2).
(1) منهاج السنّة 6 / 150.
(2) فتح الباري 7 / 56.