وابن تيمية بالرغم من تكذيبه الخبر سابقاً بصراحة، اكتفى هنا بالتشكيك فقال:
«إن هذا إن كان قاله، فهو أدلُّ دليل على أنَّ علياً لم يكن هو الإمام، وذلك أن قائل هذا إنما يقوله خوفاً من اللّه أن يضيّع حق الولاية، وأنه إذا ولي غيره وكان وزيراً له كان أبرأ للذمّة. فلو كان علي هو الإمام لكانت توليته لأحد الرجلين إضاعةً للإمامة أيضاً، وكان يكون وزيراً لظالم غيره، وكان قد باع آخرته بدنيا غيره. وهذا لا يفعله من يخاف اللّه ويطلب براءة ذمته»(1).
لكن التشكيك أيضاً باطل، فقد عرفت أن رواة الخبر هم كبار الأئمة عندهم، وأنه من الأخبار المعروفة والمشهورة بينهم.
وما ذكره ابن تيمية في الجواب، متّخذ من القاضي المعتزلي عبد الجبار بن أحمد، فقد ذكر أن تمنّيه أن يبايع لم يكن ذماً، لأن من اشتدّ التكليف عليه فهو يتمنى خلافه(2).
ولكن هذا الكلام من جملة تناقضات أبي بكر، الدالّة ـ في الأقلّ ـ على شكّه في صلوحه للإمامة والولاية، لأنه قد طلبها في السقيفة واستدلّ بما دفع الأنصار عنها، ثم لما خطب اعترف قائلاً: «لست بخيركم» ثم زعم: «إن الذي رأيتم مني لم يكن حرصاً على ولايتكم ولكني خفت الفتنة والاختلاف» ومعنى ذلك: أن قيامه بالأمر في ذلك الوقت، كان من أجل دفع الفتنة فكان تكليفاً، فلماذا استمرّ وبقي ـ مع علمه بعدم أهليّته ووجود من هو خير منه ـ حتى يتمنّى في آخر عمره الخروج عن التكليف؟
على أنه لو كان صادقاً، فلماذا عهد بالأمر لمن بعده، مع شدّة مخالفة كبار الصّحابة، وحتى ذكّروه باللّه والآخرة؟
لقد كان على أبي بكر لو كان قال هذا الكلام خوفاً من اللّه أن يضيّع حق الولاية ـ كما يزعم ابن تيمية ـ أن لا يتصدّى الأمر أوّل يوم من ولايته، ولا يعهد به في آخر يوم من عمره.
لقد ضيّع الرجل حق الولاية حقّاً، ولم يبق له شيئاً في الآخرة حتى يبيعه بدنيا غيره!!
(1) منهاج السنّة 5 / 485.
(2) المغني في الامامة ج 20 ق 1 ص 341.