2 ـ قال السيوطي: «وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) ـ أنّ عليّاً مولى المؤمنين ـ (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)»(1).
3 ـ إنّ من رواة هذا الحديث: ابن أبي حاتم الرازي، قال السيوطي: «وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب»(2).
و«ابن أبي حاتم» قد نصّ ابن تيميّة وأتباعه على أنّه لم يخرّج في تفسيره حديثاً موضوعاً… وقد أوردنا ذلك في بحوثنا الماضية، كما ستعرفه قريباً أيضاً.
وتلخّص:
إنّ القول الحقّ المتّفق عليه بين المسلمين: نزول الآية يوم غدير خمّ في أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام.
أقول:
أمّا قول ابن تيميّة: إنّ في روايات أبي نعيم والثعلبي والواحدي، موضوعات كثيرة ; فهذا حقّ ونحن نوافقه عليه، إذ ليس هناك ـ بعد كتاب اللّه عزّوجلّ ـ كتاب خال عن الموضوعات، حتّى الكتب المسمّاة بالصحاح… ففي صحيح البخاري ـ الذي يقدّمه أكثر القوم على غيره من الكتب مطلقاً ـ أكاذيب وأباطيل، ذكرنا بعضها في بعض كتبنا استناداً إلى أقوال كبار الحفّاظ من شرّاحه كابن حجر العسقلاني وغيره.
فالمنقولات، فيها كثير من الصدقّ وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز إلى أهل علم الحديث وعلماء الجرح والتعديل… كما قال.
ولذا، فإنّا أثبتنا على ضوء كلمات علماء الحديث والرجال صحّة أسانيد حديث نزول الآية في الغدير، وكذلك في غير هذا الحديث ممّا وقع الاستدلال به من قبل العلاّمة رحمه اللّه، بتوثيق رجالها واحداً واحداً… وإذا ثبت صحّة الحديث وجب على الكلّ القبول به، ومن كذّب به حينئذ فقد كذّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ما قال وفعل، وهذا كفر باللّه، نعوذ باللّه منه.
وعلى الجملة، فليس الاستدلال بمجرّد عزو الحديث إلى رواية الثعلبي أو غيره، بل الاستدلال به يكون بعد تصحيحه على القواعد المقرّرة في علم الحديث والرجال.
وأمّا قوله: إنّ هذا الاستدلال ليس بالقرآن بل هو بالحديث ; فهذا تعصّبٌ واضح ; لأنّ ابن تيّميّة نفسه يستدلّ بقوله تعالى: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)(3) لإثبات فضيلة لأبي بكر، فيقول: «إنّ الفضيلة في الغار ظاهرة بنصّ القرآن، لقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)… وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس عن أبي بكر…»(4).
فجعل الحديث مفسّراً للآية، وجعل فيها فضيلة لصاحبه… .
وكذلك: يدّعي نزول قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)(5) في أبي بكر مستدلا ببعض رواياتهم فيقول:
«وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنّها نزلت في قصّة أبي بكر. وكذلك ذكره ابن أبي حاتم والثعلبي أنّها نزلت في أبي بكر عن عبداللّه بن المسيّب. وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن أبي عمر العدني، حدّثنا سفيان، حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال:أعتق أبو بكر سبعة كلّهم يعذّب في اللّه… قال: وفيه نزلت (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى)إلى آخر السورة»(6).
وهكذا في مواضع أُخرى… .
أمّا حين يستدلّ الإمامية بآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ…) على إمامة أميرالمؤمنين، بمعونة أحاديث صحيحة رواها ابن أبي حاتم والثعلبي وأمثالهما من المفسّرين والمحدّثين من أهل السُنّة في تفسيرها وبيان سبب نزولها، يقول: «فمن ادّعى أنّ القرآن يدلّ على أنّ إمامة عليّ ممّا أُمر بتبليغه فقد افترى على القرآن»(7).
مع أنّ استدلال الإمامية بأحاديث القوم مطابق للقاعدة المقرّرة في البحث والمناظرة; لأنّهم ملزَمون بما يروونه، بخلاف استدلالاتهم في مقابلة الإمامية ; لأنّ أحاديثهم ليست بحجّة عند الاماميّة حتّى لو كانت مخرّجة في ما يسمّونه بالصحيح.
فانظر من المفتري؟!
وتلخّص: أن كلّ ما ذكره حول نزول الآية في غدير خم مردود، وثبت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قد اُمر بتبليغ خصوص إمامة أمير المؤمنين في غدير خم على ما بلّغه وفعله صلّى اللّه عليه وآله.
(1) الدرّ المنثور 2 / 298.
(2) الدرّ المنثور 2 / 298.
(3) سورة التوبة 9:40.
(4) منهاج السُنّة 8 / 373.
(5) سورة الليل 92:17.
(6) منهاج السُنّة 8 / 495.
(7) منهاج السُنّة 7 / 47.