أقول: وإنما اكتفينا بكلام ابن عبد البر للاختصار، ولأنه من الحفاظ الكبار، وإلا، فإنّ ما ذكره موجود في سائر الكتب والأسفار.
وأي فائدة في قول التفتازاني في الدفاع عن عثمان بأن ذلك غير قادح «إذ لا اطّلاع له على السرائر، وإنما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقق الفسق»(1).
لأنا نقول:
أوّلاً: لقد كان الوليد مشهوراً بالفسق قبل ذلك، واللّه سمّاه فاسقاً، فكيف ولاّه على الكوفة وهو عالم بحاله؟
وثانياً: إنه لم يعزل من ظهر منه الفسق، كما سيأتي في الكلام عن سعيد بن العاص.
هذا، وفي كلامه تصريح بوجود الفسق والفاسق بين صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وأما ابن تيمية، فلم يجب بل جعل يتهجَّم ويسبّ! قال:
«والجواب: أن يقال: نوّاب علي خانوه وعصوه أكثر ممّا خان عمّال عثمان له وعصوه…»(2).
أقول:
هكذا شرع كلامه، وهو يعلم أن الكلام ليس في الخيانة والعصيان للإمام، بل الكلام في تولية الإمام من يعلم بفسقه وتأميره على الناس… ثم إنه في طرف علي يقول «نوّاب علي»، وفي طرف عثمان يقول: «عمّال عثمان» ولا يخفى عليك الفرق بين «النائب» و «العامل».
ثم جعل يسبّ الرّافضة… بل طعن في الإمام عليه السلام إذ قال بأن تولية الأقارب على بعض البلاد أهون من الوصية بالخلافة للولد… وهذه كلمة كبيرة خرجت من فم الرجل، واللّه حسيبه على كلماته والخصيم محمد وأهل بيته… فإن إمامة الإمام الحسن السبط بعد أمير المؤمنين عليه السلام كانت بنصب من اللّه ونصّ من رسوله صلّى اللّه عليه وآله.
لكن الرجل يريد الدفاع عن عثمان، وفي كلّ مورد يريد إظهار النصب والعدوان، لآل البيت الذين نزل بطهارتهم صريح القرآن!
ثم إنه عقد فصلاً قال: «والقاعدة الكليّة في هذا أن لا نعتقد أن أحداً معصوم بعد النبي، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ، والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون منها، وقد تكفّر عنهم بحسناتهم الكثيرة، وقد يبتلون بمصائب يكفّر اللّه عنهم بها، وقد يكفّر عنهم بغير ذلك. فكلّ ما ينقل عن عثمان غايته أن يكون ذنباً أو خطأً، وعثمان قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه كثيرة…»(3) ثم جعل يشرح هذه القاعدة في صفحات كثيرة، تهجّم فيها على الشّيعة وطعن في الإمام علي بعبارات شنيعة.
فنقول:
أوّلاً: كلّ ذلك خروج عن البحث، فإنا نريد أن نثبت ـ على ضوء قواعد أهل السنّة ورواياتهم ـ أن عثمان لم يكن أهلاً للإمامة والخلافة.
وثانياً: لقد اعترف بصدور الخطأ والذنب ممّن يعتقد بإمامتهم وخلافتهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. ولكنه ادّعى أن ذنوبهم مغفورة عند اللّه، إلا أن مثل هذه الدّعوى لا تصدر إلا من معصوم لا يتكلّم إلا من قبل اللّه.
وثالثاً: إنه قد ثبت بنصّ الكتاب والسنّة الثابتة المتفق عليها عصمة علي وأهل البيت عليهم السلام… والتفصيل في محلّه.
(1) شرح المقاصد 2 / 295.
(2) منهاج السنّة 6 / 184.
(3) منهاج السنّة 6 / 7 ـ 196.