أجاب قاضي القضاة: بأنه ربما كان من ماله.
واعترضه المرتضى رحمه اللّه: بأن المنقول خلاف ذلك. فقد روى الواقدي أن عثمان قال: إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال ذوي أرحامهما، وإني ناولت منه صلة رحمي. وروى الواقدي: أنه بعث إليه أبو موسى الأشعري بمال عظيم من البصرة، فقسّمه عثمان بين ولده وأهله بالصّحاف. وروى الواقدي أيضاً قال: قدمت إبل من البصرة فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص، وولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له. وأنكر الناس على عثمان إعطائه سعيد بن العاص مائة ألف(1).
أقول:
والحارث بن الحكم بن أبي العاص هو أخو مروان وصهر عثمان على ابنته عائشة… وهذه القضايا التي رويت عن الواقدي رواها أو روى نحوها غيره من المؤرخين، كالبلاذري وابن قتيبة والطبري وغيرهم.
وكان أوّل ما اعتذر به لعثمان هو احتمال كون تلك الأموال من ماله الخاص.
لكن الرّواة قد رووا عنه التصريح بكونها من بيت المال.
ثم اعتذر بأنه إنما أعطاهم لحاجتهم إلى ذلك.
وهذا العذر مردود كذلك، لأنها كانت عطايا فوق ما تقتضيه الحاجة.
ثم اعتذر بأنها كانت لمصالح لا يعلمها إلا هو.
وهذا أفسد مما قبله، لأنه لا مصلحة للمسلمين في إعطاء الآلاف المؤلّفة لمروان وسائر أصهاره وبناته! وأية مصلحة هذه لا يعلمها أحد من المسلمين حتى قاموا عليه بسببها ولم يوافقه أحد منهم فيها؟
وآخر الأعذار هو أن الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب.
ولكن هذا الأصل مما لم يعلم به أحدٌ من الذين نصبوا هؤلاء للخلافة وسمّوهم بالراشدين… فإن الذين قاموا ضدّ عثمان، وحرّكوا الناس، أو خذلوه فلم يمنعوهم عنه، هم طلحة والزبير وعمرو بن العاص وعائشة وأتباعهم.
(1) نهج الحق وكشف الصدق: 293 ـ 294.