وسيأتي ـ فيما بعد ـ بيان دلالة هذه الأدلّة وغيرها.
الثّاني: إنّ أهل السنّة غير متّفقين على أفضليّة أبي بكر وعمر، بل إنّ جمعاً كبيراً منهم يقولون بأفضليّة الإمام علي منهما، وقد نصَّ على ذلك غير واحد من كتاب حفّاظ القوم، بل ذلك قول كثير من الصّحابة:
قال ابن عبد البرّ:
«وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخبّاب وجابر وأبي سعيد وزيد بن أرقم: أنّ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أوّل من أسلم. وفضّله هؤلاء على غيره»(1).
وقال ابن حزم:
«اختلف المسلمون في من هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام.
فذهب بعض أهل السنّة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى: أن أفضل الاُمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه.
وروينا هذا القول نصّاً عن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم، وعن جماعة من التابعين والفقهاء»(2).
وقال النووي بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام:
«وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور»(3).
فظهر: إن ما ذكره الرّجل إمّا جهلٌ وإمّا كذب.
وثالثاً: إنه على فرض اتّفاقهم على أفضلية الشيخين، فإن الكلام في العصمة لا الأفضلية.
ورابعاً: دعوى الاتّفاق منهم على أنهما أحقّ بالعصمة، كاذبة.
وخامساً: إنّ الكلام في العصمة لا في الأحقيّة بالعصمة.
وعلى الجملة، فإن الأدلّة على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام عديدة، ولا دليل عندهم على عصمة أبي بكر، لا من الكتاب ولا من السنّة، ولا من العقل، ولا من الإجماع، بل الدليل قائم على عدمها في أبي بكر بإقراره هو في أكثر من موضع، منها قوله: «إن لي شيطاناً يعتريني» وكذا عمر وعثمان، بل الأمر فيهما أوضح وأشهر.
فظهر، أن الملازمة المدّعاة باطلة.
فسقط كلام ابن تيميّة على طوله في المقام.
(1) الإستيعاب 3 / 1090.
(2) الفصل في الملل والنحل 4 / 181.
(3) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 346.