وإذا بطل الاختيار بجميع أشكاله، تعيَّن النص:
قال قدس سره: وغير علي عليه السلام من أئمتهم لم يكن منصوصاً عليه بالإجماع. فتعيّن أن يكون هو الإمام.
الشّرح:
وعمدة الكلام هو في أبي بكر، لأنه المعارض لأمير المؤمنين، وحكومة عمر وعثمان متفرعة على حكومته، وقد نصّ كبار علمائهم على عدم الدليل عليها من الكتاب والسنّة، كما لا يخفى على من يراجع كتبهم الكلامية المعتبرة، كشرح المواقف(1) وشرح المقاصد(2) وغيرهما… قال التفتازاني:
«ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله لم ينص على إمام بعده…».
فما الدليل على إمامته؟
قال: «العمدة: إجماع أهل الحلّ والعقد على ذلك، وإنْ كان من البعض بعض تردّد وتوقّف»(3).
لكنْ لا يخفى:
أوّلاً: كان الأمر موكولاً إلى اختيار الاُمّة، فأصبح منوطاً بنظر «أهل الحلّ والعقد»!
وثانياً: هل يعتبر إجماع أهل الحلّ والعقد أو لا؟
إن كان معتبراً، فما معنى «وإنْ كان من البعض بعض تردّد وتوقف»؟
وثالثاً: هل كان الواقع من سعد بن عبادة ومن تبعه الذين ماتوا ولم يبايعوا «بعض تردّد وتوقف»؟
وهل كان من الصدّيقة الطاهرة بضعة الرسول، التي فارقت هذا العالم مهاجرةً أبا بكر «بعض تردد وتوقف»؟
وهل كان من مالك بن نويرة وعشيرته الذين قتلهم خالد بن الوليد بأمر من أبي بكر، ففارقوا الدنيا بلا بيعة له «بعض تردد وتوقّف»؟
ولكنّ القوم رفعوا اليد عن اختيار الاُمة، إلى إجماع أهل الحلّ والعقد، ثم رفعوا اليد عن ذلك أيضاً، فقالوا بعدم اعتبار عدد معيّن، بل يكفي الواحد والاثنان، كما نصّ عليه التفتازاني أيضاً.
فإذا لم يكن الكتاب ولا السنّة ولا الإجماع هو الدليل على إمامة أبي بكر، لم يبق إلاّ الغلبة والزور… .
وبما ذكرنا يظهر كذب ابن تيمية في قوله:
«ذهبت طوائف كثيرة من السّلف والخلف من أهل الحديث والفقه والكلام إلى النصّ على أبي بكر.
وذهبت طائفة من الرافضة إلى النصّ على العبّاس»(4).
وله هنا أيضاً كلام طويل لا طائل تحته، فلا نضيّع الوقت به.
(1) شرح المواقف 8 / 354.
(2) شرح المقاصد 5 / 259.
(3) شرح المقاصد 5 / 364.
(4) منهاج السنّة 6 / 443.