الدّليلُ الثّاني
إنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه
قال قدس سره: إنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه، لما بيّنا من بطلان الإختيار، وأنه ليس بعض المختارين لبعض الاُمّة أولى من البعض المختار للآخر، ولأدائه إلى التنازع والتناحر… .
الشرح:
إنه بعد الفراغ عن ضرورة وجود الإمام ونصبه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالاتفاق، يقع البحث عن طريق نصبه:
أمّا أصحابنا، فقالوا: بأن الطريق منحصر بالنصّ من اللّه ورسوله، لأنّ الإمامة نيابة عن النبوّة، فكما لا اختيار من الاُمّة في نصب النبيّ، كذلك الإمام، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)(1).
وأمّا أهل السنّة، فكلامهم مختلفٌ جدّاً، لأنهم ينظرون إلى الأمر الواقع بين الصحابة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فهم يدّعون ثبوت الإمامة لأبي بكر باختيار الناس، ثم يقولون بإمامة عمر بنصّ أبي بكر عليه، ثم بإمامة عثمان بالشّورى المزعومة… .
وهم على كلّ تقدير، يعترفون بعدم النصّ على أبي بكر، كما سيأتي.
هذا، والمشهور بينهم هو القول بالإختيار، وقد أشكل علماؤنا عليه بوجوه، ذكر العلاّمة ثلاثةً منها:
أحدها: إن الإمامة ـ كما ذكرنا ـ منصبٌ إلهي، ولا خيرة للاُمّة في المناصب الإلهيّة، بل الأدلّة من الكتاب والسنّة قائمة على بطلانها، بل حتّى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ليس الأمر بيده، وقد صرّح بذلك هو في بدء دعوته وأوائل رسالته، كما ذكر أهل السيرة، من أنّه لمّا عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام، قال له بعض رؤسائهم:
«أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك، ثم أظفرك اللّه على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال صلّى اللّه عليه وآله: الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء»(2).
وأيضاً، فقد تقرّر اشتراط العصمة في الإمام، لكنّها من الامور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ اللّه، قال العلاّمة:
«الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه، لأنّ العصمة من الامور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى. فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه، أو ظهور معجزة على يده تدلّ على صدقه»(3).
وأيضاً، فإنه يعتبر في الإمام الأفضلية كما سيأتي، وهي أيضاً من الامور التي لا يشخّصها أغلب الناس.
فالقول بالاختيار مخالفٌ للكتاب والسنّة.
والثاني: إنه مخالفٌ للعقل، الحاكم بقبح الترجيح بلا مرجّح، فلو اختار بعض الاُمّة رجلاً، واختار البعض الآخر رجلاً غيره، فإمّا يقال بإمامتهما معاً، فذاك باطلٌ، وتقدّم في كلام ابن حزم، وإمّا يرجّح أحدهما على الآخر، فإنْ كان بمرجّح، بطل اختيار القائلين بإمامة غيره، وإنْ كان بلا مرجّح، فهو قبيح.
والثالث: استلزامه نقض الغرض. لأن الغرض من نصب الإمام هو حفظ النظم وحقوق الناس ورعاية العدل بين أفراد الاُمّة، لكن القول بالاختيار يؤدّى إلى التنازع بين الاُمّة واختلافها وتفرّقها على نفسها، وهذا هو الفساد.
(1) سورة القصص: 68.
(2) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 66، السيرة الحلبية 2 / 154.
(3) الباب الحادي عشر ـ بشرح المقداد: 48.