أمّا أصحابنا الإماميّة، فإنّهم يقولون بعصمة الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسائر الأنبياء عن ذلك كلّه:
قال العلاّمة: «لا يجوز أنْ يقع منه الصغائر والكبائر، لا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً في التأويل، ويجب أن يكون منزّهاً عن ذلك كلّه من أول عمره إلى آخره».
فقال شارحه المقداد الحلّي: «وأصحابنا حكموا بعصمتهم مطلقاً، قبل النبوة وبعدها، عن الصغائر والكبائر، عمداً وسهواً. بل وعن السهو مطلقاً ولو في القسم الرابع. ونقصد به الأفعال المتعلّقة بأحوال معاشهم في الدنيا ممّا ليس دينيّاً»(1).
وقال الشهيد الثاني: «وأمّا علم الحديث، فهو أجلّ العلوم قدراً وأعلاها مرتبةً وأعظمها مثوبة بعد القرآن. وهو ما اُضيف إلى النبي والأئمة المعصومين، قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفةً، حتى الحركات والسكنات واليقظة والنوم»(2).
وقال الشيخ المجلسي: «اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة أنهم معصومون مطهّرون من كلّ دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً (لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم.
واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم، من أوائل امورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا جهل»(3).
وقال: «فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمة من كلّ ذنب ودناءة ومنقصة، قبل النبوّة وبعدها، قول أئمّتنا عليهم السلام بذلك، المعلوم لنا قطعاً بإجماع أصحابنا، مع تأيّده بالنصوص المتظافرة، حتى صار ذلك من قبيل الضروريّات في مذهب الإماميّة»(4).
وأورد الشيخ الحرّ العاملي ـ في كتاب له في الموضوع ـ الأدلّة العقليّة والنقليّة على استحالة السّهو عليه مطلقاً، وذكر أنّ علمائنا وفقهائنا قد صرّحوا بذلك في أكثر كتبهم في الفروع، وصرّحوا في جميع كتب الاصول، بنفي السهو عنهم عليهم السلام على وجه العموم والإطلاق، الشامل للعبادة وغيرها، وأوردوا أدلّة كثيرة(5).
فلينظر الباحث المنصف في كلام علمائنا، فهم يقولون بالعصمة عن السّهو حتى في الامور الدنيويّة، لكنّ أهل السنّة، يروون في صحاحهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله نهى الناس من تأبير نخلهم فوقعوا في ضرر عظيم!!
فقد أخرجوا عن موسى بن طلحة بن عبيداللّه عن أبيه قال:
«مررت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بقوم على رؤوس النخل. فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقّحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: ما أظنّ يغني ذلك شيئاً.
قال: فاُخبروا بذلك، فتركوه.
فقال: إنْ كان ينفعهم ذلك فليَصنعوه، فإني إنّما ظننت ظنّاً فلا تؤاخذوني بالظنّ»(6).
نعم، قد وجدنا في علماء أهل السنّة من يعتقد بالحقّ الذي عليه أصحابنا، وإليك النصّ التالي من الزرقاني المالكي، فإنه قال:
«إنه معصوم من الذنوب، بعد النبوّة وقبلها، كبيرها، وصغيرها، عمدها وسهوها على الأصح. في ظاهره وباطنه، سرّه وجهره، جدّه ومزحه، رضاه وغضبه.
كيف؟ وقد أجمع الصّحب على اتّباعه والتأسّي به في كلّ ما يفعله.
قال السّبكي: أجمعت الاُمّة على عصمة الأنبياء فيما يتعلّق بالتبليغ وغيره، من الكبائر والصغائر والخسّة والمداومة على الصغائر.
وفي صغائر لا تحطّ من رتبتهم خلاف، ذهب المعتزلة وكثير من غيرهم إلى جوازها، والمختار المنع. لأنّا اُمرنا بالإقتداء بهم فيما يصدر عنهم، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي؟»(7).
قال قدس سره: أمّا المقدّمة الاولى، فلأن الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يمكن أنْ يعيش منفرداً… ولمّا كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتناوش، فإنّ كلّ واحد من الأشخاص… فلابدّ من نصب إمام معصوم يصدّهم عن الظّم… .
(1) إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 304.
(2) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد: 191.
(3) بحار الأنوار 11 / 72.
(4) بحار الأنوار: 11 / 91.
(5) التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم من السّهو والنسيان. ط قم سنة 1401.
(6) منتخب مسند عبد بن حميد: 65.
(7) شرح المواهب اللدنية 7 / 327 ـ 328.