قال ابن تيمية: «وأما حديث الكساء فهو صحيح…» لكنه أجاب:
«هذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي اللّه عنهم، فليس هو من خصائصه… وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتّقين… .
والصّديق رضي اللّه عنه قد أخبر عنه بأنه (اْلأَتْقَى * الَّذي يُؤْتي مالَهُ يَتَزَكّى…).
وأيضاً، فإن السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار…»(1).
أقول:
فقد ظهر أن هذه الفضيلة غير واردة للشيخين حتى في كتب القائلين بإمامتهما، أمّا أن فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام يشاركون عليّاً في هذه الفضيلة، فذاك لا يضرّ باستدلال العلاّمة الحلّي، فإن الكلام يدور بين علي والشيخين. على أن ثبوت مثل ذلك لزوجته وولديه يزيده فخراً على فخر، كما لا يخفى على من له أدنى فهم! بل إنهم قد شاركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الطهارة التي أرادها اللّه له، وهل فوق هذا من فضل وكمال؟
وأمّا إن «غاية ذلك أن يكون دعا لهم». فهذا تعصّب قبيح:
أمّا أوّلاً: فلأنه ينافي صريح الآية المباركة، لأن «إنّما» دالّة على الحصر، وكلامه دالّ على عدم الحصر، فما ذكره ردّ على اللّه والرسول.
أمّا ثانياً: فلأن في كثير من «الصحاح» أن الآية نزلت، فدعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي… فاللّه عز وجل يقول: (إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ…) والنبي صلّى اللّه عليه وآله يعيّن «أهل البيت» وأنهم هؤلاء دون غيرهم.
وأمّا ثالثاً: فلأنه لو كان المراد هو مجرّد الدعاء لهم بأن يكونوا «من المتّقين» و«الطهارة مأمور بها كلّ مؤمن» «فغاية هذا أن كون دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور»، فلا فضيلة في الحديث، وهذا يناقض قوله من قبل «فعُلم أن هذه الفضيلة…»!!
وأمّا رابعاً: فلأنه لو كان «غاية ذلك أن يكون دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور»، فلماذا لم يأذن لأم سلمة بالدخول معهم؟! أكانت «من المتقين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس…» فلا حاجة لها إلى الدعاء؟! أو لم يكن النبي صلّى اللّه عليه وآله يريد منها أن تكون «من المتقين…»؟!
وأمّا خامساً: فلو سلّمنا أن «غاية هذا أن يكون دعاء لهم…» لكن إذا كان اللّه سبحانه «يريد» والرسول «يدعو» ـ ودعاؤه مستجاب قطعاً ـ كان «أهل البيت» متّصفين بالفعل بما دلّت عليه الآية والحديث.
فقال: «والصدّيق قد أخبر اللّه عنه…».
وحاصله: إن غاية ما كان في حق «أهل البيت» هو «الدّعاء» وليس في الآية ولا الحديث إشارة إلى «استجابة» هذا الدعاء، فقد يكون وقد لا يكون، وأمّا ما كان في حق «أبي بكر»، فهو «الإخبار» فهو كائن، فأبو بكر أفضل من «أهل البيت»!
(1) منهاج السنّة 5 / 14.