الشرح:
أمّا أن أبا بكر قال هذا الكلام، فذاك موجود في روايات أتباعه، نذكر هنا بعضها:
قال ابن سعد: «أخبرنا عبيد اللّه بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة ـ قال عبيد اللّه: أظنه عن أبيه ـ قال: لما ولّي أبو بكر، خطب الناس، فحمد اللّه، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس، قد ولّيت أمركم ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن وسنّ النبي… .
أيها الناس، إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوّموني»(1).
وفي رواية ابن راهويه عن الحسن البصري: «إن أبا بكر الصدّيق خطب فقال: أما واللّه ما أنا بخيركم… أفتظنون أني أعمل فيكم بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ إذن لا أقوم بها. إن رسول اللّه كان يعصم بالوحي وكان معه ملك، وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا اوثر في أشعاركم وأبشاركم»(2).
وفي تاريخ الطبري بإسناد آخر: «ألا وإنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني لا اوثر في أشعاركم وأبشاركم».
وأخرج الطبراني: «حدّثنا منتصر بن محمد، نا عبد اللّه بن عمرو بن أبان، نا عبد الرحيم بن سليمان، عن أبي أيوب الإفريقي، ثنا عيسى بن سليمان، عن زيد بن عطية قال: قام أبو بكر الغد حين بويع، فخطب الناس فقال:
يا أيها الناس، إني قد أقلتكم رأيكم، إني لست بخيركم، فبايعوا خيركم، فقاموا إليه فقالوا: يا خليفة رسول اللّه، أنت واللّه خيرنا. فقال: يا أيها الناس، إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عوّاد اللّه وجيران اللّه، فإن استطعتم أن لا يطلبكم اللّه بشيء من ذمته فافعلوا، إن لي شيطاناً يحضرني، فإذا رأيتموني قد غضبت فاجتنبوني، لا أمثل بأشعاركم وأبشاركم.
يا أيها الناس، تفقدوا ضرائب غلمانكم، إنه لا ينبغي للحم نبت من سحت أن يدخل الجنة، ألا و راعوني بأبصاركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوّموني، وإن أطعت اللّه فأطيعوني، وإن عصيت اللّه فاعصوني.
لم يرو هذا الحديث عن أبي أيوب الإفريقي إلا عبد الرحمن بن سليمان. تفرّد به عبد اللّه بن عمر بن أبان»(3).
وكذلك تجد الخبر في الصواعق المحرقة وتاريخ الخلفاء والرياض النضرة(4)وغيرها من كتب الحديث والتاريخ والكلام.
بل إن ابن تيمية أيضاً يصدّق بهذا الخبر ويزعم أنه من أكبر فضائل أبي بكر كما سيأتي، وكذلك صدّق به القاضي عبد الجبار المعتزلي وغيره… إلا أنهم حاولوا الإجابة عن ذلك.
(1) الطبقات الكبرى 3 / 182 ـ 183.
(2) كنز العمال 5 / 589 ـ 590 .
(3) المعجم الأوسط 8 / 267.
(4) الرياض النضرة 1 / 38، الإمامة والسياسة 1 / 6، الصواعق 1 / 125.