مسألة فدك
قال قدس سره: ومنع أبو بكر فاطمة عليها السلام إرثها فقالت له: «يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي!» والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها وكان هو الغريم لها لأن الصدقة تحلّ له: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، على ما رووه عنه!
والقرآن يخالف ذلك، لأن اللّه تعالى قال: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(1)، ولم يجعل اللّه تعالى ذلك خاصّاً بالأمّة دونه صلّى اللّه عليه وآله.
وكذَّب روايتهم فقال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ)(2). وقال تعالى عن زكريّا: (وَأني خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(3).
ولما ذكرت فاطمة عليها السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهبها فدكاً قال لها: هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك! فجاءت بأمّ أيمن فشهدت لها بذلك فقال: امرأة لايقبل قولها! وقد رووا جميعاً أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة».
فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فشهد لها فقال: هذا بعلك يجرّه إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك! وقد رووا جميعاً أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»!
فغضبت فاطمة عليها السلام عند ذلك وانصرفت وحلفت أن لا تكلّمه ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشكو إليه.
فلمّا حضرتها الوفاة أوصت عليّاً أن يدفنها ليلاً، ولا يدع أحداً منهم يصلّي عليها!
وقد رووا جميعاً أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «يا فاطمة إن اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك». ورووا جميعاً أنه صلّى اللّه عليه وآله قال: «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه»!
ولو كان هذا الخبر حقاً لما جاز له ترك البغلة التي خلّفها النبي صلّى اللّه عليه وآله، وسيفه وعمامته عند أمير المؤمنين عليه السلام، ولما حكم بها له لما ادّعاها العباس! ولكان أهل البيت الذين طهّرهم اللّه تعالى في كتابه عن الرجس مرتكبين ما لا يجوز، لأن الصدقة عليهم محرّمة.
الشرح:
لقد كثر البحث منذ صدر الإسلام حول ما كان بين الزهراء الطاهرة عليها السلام وأبي بكر، وجرت فيه المناظرات، وألّفت فيه الكتب.
والذي ذكره العلاّمة رحمه اللّه هو: أنها طلبت إرثها من أبي بكر فمنعها، والتجأ إلى رواية انفرد بها، والقرآن يخالف ذلك. وأنها ذكرت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهبها فدكاً، فطلب منها البيّنة، فجاءت بأم أيمن وأمير المؤمنين عليه السلام فردّهما، مع ما ورد في حقّهما عن النبي صلّى اللّه عليه وآله.
ثم ذكر رحمه اللّه ممّا كان بعد ردّه إياها: أنها غضبت وحلفت ألاّ تكلّمه حتى تلقى أباها وتشكو إليه، مع ما ورد عنه صلّى اللّه عليه وآله من التحذير من إغضابها وإيذائها. وأنها أوصت أن تدفن ليلاً. وأنها أوصت أن لا يصلّي عليها أبو بكر وأنصاره.
ثم ذكر من وجوه الإيراد على حديث أبي بكر: النقض. ببغلة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسيفه وعمامته عند أمير المؤمنين عليه السلام، والحكم بها للعباس لما ادّعاها، والحكم لجابر فيما ادّعاه من مال البحرين، وأنه لو كان هذا الحديث حقّاً لكان أهل البيت بادّعائهم مرتكبين ما لا يجوز لهم، لكنهم لا يرتكبون ذلك، لأن اللّه طهّرهم من الرجس، فالحديث ليس بحق.
هذا خلاصة كلام العلاّمة كما لا يخفى على من راجعه.
(1) سورة النساء: 11.
(2) سورة النمل: 16.
(3) سورة مريم: 6.