محاربته عليّاً وقتله خيار الصّحابة
قال قدس سره: وبالغ في محاربة علي عليه السلام، وقتل جمعاً كثيراً من خيار الصّحابة.
الشرح:
أجاب ابن تيمية بما ملخصه بلفظه: «الذين قتلوا قتلوا من الطائفتين، قتل هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء… وكان في العسكرين مثل الأشتر النخعي وهاشم بن عتبة المرقال وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأبي الأعور السّلمي، ونحوهم من المحرضين على القتال»(1).
أقول:
أمّا محاربته عليّاً عليه السلام، فقد أورثت عليه وعلى أصحابه اللّعن إلى يوم الدين، لوجوه كثيرة من الكتاب والسنّة وغيرهما.
وكلام العلاّمة في قتله كثيراً من خيار الصحابة عام، لكن الرجل خصّه بالذين قتلهم في الحرب فأجاب بما عرفت، فنقول:
أوّلاً: الذين قتلهم معاوية منهم صبرا كثيرون، منهم: حجر بن عدي، قال ابن عبد البر: «كان حجر من فضلاء الصحابة»(2) فإن معاوية أوّل من قتل مسلماً صبراً، قتل حجراً وأصحابه.. وقد اعترض عليه في ذلك من الصحابة والتابعين كثيرون، بل حكي عن ابن سيرين قوله: بلغنا أن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول: يومي منك يا حجر طويل.
وبالجملة: فالأبرياء الذين قتلهم من الصحابة وسائر المسلمين في غير ساحة الحرب من أهل الحرمين واليمن والعراق وغيرهم، لا يحصون.
وثانياً: إنه لم يذكر في المحرّضين على القتال عمار بن ياسر، مع كونه مع أمير المؤمنين عليه السلام ومن أشدّ الناس على معاوية وحزبه، حتى استشهد رضي اللّه تعالى عنه، فلماذا لم يذكره؟ لأن النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ قد أخبر فيما تواتر عنه: أنه تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار(3).
فثبت بذلك أن معاوية باغ داع إلى النار، ومن كان هذا حاله فهو من أهل النار، وعليه اللّعنة من اللّه العزيز القهار، القائل (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْناهُمْ في هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحينَ)(4).
وكأن ابن تيمية يحاول ـ بعدم ذكر عمار ـ التملّص والتخلّص من هذا، كما حاول إمامه معاوية من قبل بما لا فائدة له فيه.
(1) منهاج السنّة 4 / 468.
(2) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1 / 239.
(3) أخرجه أحمد والبخاري، كنز العمال 11 / 722 رقم: 33531.
(4) سورة القصص: 42.