قال ابن تيمية: هذا اللفظ لا يعرف في شي من كتب الحديث المعتمدة، بل دلالات الكذب عليه ظاهرة(1).
أقول:
قد عرفت جمعاً من أعلام أهل السنة الرواة له في كتبهم، وأن العلاّمة وغيره من علماء الإمامية قد اعتمدوا على رواية هؤلاء وأمثالهم، فإن كان كذباً فما ذنب العلاّمة؟ وهل يلتزم أذناب ابن تيمية بذلك؟
قال: ثم فيه قول علي: صلّيت ستة أشهر قبل الناس. فهذا ممّا يعلم بطلانه بالضرورة… .
أقول: وهذا من الأمور الثابتة برواية الفريقين كذلك بالأسانيد الصحيحة كما سيأتي في محلّه، فلا يجوز الردّ على استدلال العلاّمة هنا من هذه الناحية.
قال: وأمّا الحديث فيقال: الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ولفظه عن النعمان بن بشير… .
أقول: هذه المعارضة باطلة لوجوه:
الأول: إنه حديث تفرّد به المعتقدون بإمامة الشيخين، وكلّ حديث تفرّد بنقله أحد الطرفين، فلا يجوز له الاحتجاج به على الطرف الآخر في مقام البحث والمناظرة، كما صرّح به غير واحد من أعلام أهل السنة كذلك، كابن حزم الأندلسي(2).
والثاني: إن الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره، ليس فيه ذكر لاسم أحد، فهو «قال رجل» و «قال آخر» و «قال آخر». أمّا الحديث الذي استدلّ به العلاّمة ففيه أسماء القائلين بصراحة، فنقول:
1 ـ أي فائدة في هذا الحديث في مقام المفاضلة بين الأشخاص؟!
2 ـ وأي مناقضة بين هذا الحديث والحديث الذي استشهد به العلاّمة؟!
3 ـ بل إن الحديث الذي استند إليه العلاّمة يصلح لأن يكون مفسّراً لحديث مسلم، الذي أبهم فيه أسماء القائلين!
والثالث: لقد أورد غير واحد من أئمة التفسير عند القوم الحديث الذي استدلّ به العلاّمة، بذيل الآية المباركة، بل إن بعضهم قدّمه في الذكر على غيره من الأخبار والأقوال، وإليك ما جاء بتفسير ابن كثير ـ وهو الذي يعتمد عليه أتباع ابن تيمية كثيراً ـ فإنه قال:
«قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: نزلت في علي والعباس رضي اللّه عنهما بما تكلّما في ذلك.
وقال ابن جرير: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب… .
وهكذا قال السدّي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان; وذكر نحوه.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن عمرو، عن الحسن، قال: نزلت في علىّ وعباس وشيبة، تكلّموا في ذلك… .
ورواه محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن; فذكر نحوه».
والرّابع: إن ابن كثير كما قدّم هذا الحديث في الذكر، فقد نصّ على أن حديث النعمان بن بشير «مرفوع» إذ أورده من بعد قائلاً:
«وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع، فلابدّ من ذكره هنا: قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن النعمان بن بشير…»(3).
وكيف يجوز معارضة ذاك الحديث المشهور بين الفريقين، بحديث انفرد به أحدهما وهو يعترف بأنه مرفوع؟
وقال القرطبي: «وظاهر هذه الآية أنها مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام، كما ذكره السدّي، قال: افتخر عباس بالسقاية، وشيبة بالعمارة، وعلي بالإسلام والجهاد، فصدّق اللّه عليّاً وكذّبهما… وهذا بيّن لا غبار عليه».
ثم إنه تعرّض لحديث مسلم، وذكر فيه إشكالاً، وحاول دفعه بناء على وقوع التسامح في لفظ الحديث من بعض الرواة، فراجعه(4).
وبذلك يظهر أن في حديث مسلم إشكالاً في المعنى والدلالة أيضاً!
وقال الآلوسي بتفسير الآية وبيان المقصود بالخطاب في (أجعلتم): «الخطاب إمّا للمشركين على طريقة الإلتفات، واختاره أكثر المحقّقين… وإمّا لبعض المؤمنين المؤثرين للسقاية والعمارة على الهجرة والجهاد، واستدلّ له بما أخرجه مسلم… وبما روي من طرق أن الآية نزلت في علي كرّم اللّه وجهه والعبّاس… وأيّد هذا القول بأنه المناسب للاكتفاء في الردّ عليهم ببيان عدم مساواتهم عند اللّه تعالى للفريق الثاني…»(5).
أقول: ومن هذا الكلام يُفهم:
1 ـ أن لا تعارض بين حديث مسلم وحديثنا، كما أشرنا من قبل.
2 ـ إن لحديثنا طرقاً لا طريق واحد، واعترف به الشوكاني أيضاً(6).
3 ـ إنه كان بعض المؤمنين يؤثر السقاية والعمارة على الهجرة والجهاد! فجاءت الآية لتردّ عليهم قولهم، بأن الفضل للهجرة والجهاد دون غيرهما.
وتلخّص:
إن حديثنا معتبر سنداً، وهو عندهم بطرق، في أوثق مصادرهم في الحديث والتفسير، ودلالته على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من سائر الصحابة واضحة; لأن الإمام قد استدلّ لأفضليته بما يقتضي الفضل على جميع الأمة، وقد صدّق اللّه سبحانه عليّاً عليه السلام في ما قاله، وإذا كان هو الأفضل، فهو الأولى بالإمامة والولاية العامة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وأما الحديث الوارد في كتاب مسلم، فلا يعارض الحديث المذكور، على إنه متفرّد به، ومخدوش سنداً ودلالة باعتراف أئمتهم!
(1) منهاج السنّة 5 / 18.
(2) الفصل في الملل والنحل 4 / 159.
(3) تفسير القرآن العظيم 2 / 355.
(4) تفسير القرطبي 8 / 91 ـ 92.
(5) روح المعاني 10 / 67.
(6) فتح القدير 2 / 346.