وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»(1).
وعن ابن عباس: «ما كانت المتعة إلا رحمة من اللّه تعالى رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي»(2).
ولهذا جعلوا تحريم المتعة من أوّلياته(3).
بل إن عمر نفسه يقول: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه، وأنا أنهى عنهما» فلا يخبر عن نهي لرسول اللّه، وإنما ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب.
بل إنه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت، بل لما قال له: «ثم معك فلم تُحدث لنا فيه نهياً» اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة.
ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة (تحدث)!
وثالثاً: إن السبب في نهي عمر قضية عمرو بن حريث أو قضيّة أخرى تشبهها.. فلعلّه أيضاً لم ينه عنها لولا وقوع تلك القضيّة ونحوها..
ورابعاً: إنه وإن تابع عمر في تحريمه بعض السّلف كعبد اللّه بن الزبير، لكن ثبت على القول بحليّة المتعة تبعاً للقرآن والسنّة، أعلام الصّحابة، وعلى رأسهم أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السّلام.
قال ابن حزم: «وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه جماعة من السّلف. منهم من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبد اللّه، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف. ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول اللّه ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر».
قال: «ومن التابعين: طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة أعزّها اللّه..»(4).
هذه عبارة ابن حزم الذي طالما اعتمد عليه ابن تيمية في كتابه. ولم يذكر ابن حزم عمران بن الحصين وبعض الصحابة، وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبد البر قوله: «أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس»(5).
ومن أشهر فقهاء مكة القائلين بالحلية: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي المتوفى سنة 149، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقاة المحدثين ومن رجال الصحيحين، فقد ذكروا أنه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة.
وذكر ابن خلكان: أن المأمون أمر أيام خلافته بأن ينادى بحليّة المتعة. قال: فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول وهو متغيّظ: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما. قال: ومن أنت يا جُعَل حتى تنهى عمّا فعله رسول اللّه وأبو بكر. فأراد محمد بن منصور أن يكلّمه، فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول، نكلّمه نحن؟ ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة، ولم يزل به حتى صرف رأيه(6).
فظهر بذلك سقوط دعوى أن النبي صلّى اللّه عليه وآله حرّم المتعة بعد الإحلال.
(1) الطبري، النيسابوري، الرازي، الدر المنثور، بتفسير الآية المباركة.
(2) تفسير القرطبي 5 / 130.
(3) تاريخ الخلفاء: 137.
(4) المحلّى 9 / 519 ـ 520 .
(5) تفسير القرطبي 5 / 133.
(6) وفيات الأعيان 6 / 149.