أقول:
فبطل تشكيك إمامهم الرازي في دلالة القضية على الفضل للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حتى أن النيسابوري ـ التابع له في كثير من المواقع ـ تعقّبه هنا قائلاً:
«هذا الكلام لا يخلو عن تعصّب مّا، ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضوليّة علي رضي اللّه عنه في كلّ خصلة؟ ولم لا يجوز أنْ يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة؟ فقد روي عن ابن عمر: كان لعلي رضي اللّه عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهنَّ… وهل يقول منصفٌ إن مناجاة النبي صلّى اللّه عليه وآله نقيصة؟ على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة، وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة من جهتين: سدّ خلّة بعض الفقراء ومن جهة محبّة نجوى الرسول فيها القرب وحلّ المسائل العويصة وإظهار أن نجواه أحبّ إلى المناجي من المال»(1).
هذا باختصار فيما يتعلّق بالنقطة الأولى من النقاط الثلاث المذكورة سابقاً. وقد ظهر أن ما ذكره العلاّمة هو الحق الذي لا محيد عنه، فإن من حصلت له هذه الفضيلة العظيمة التي يتمنّاها الصحابة ويعترف بها كبار العلماء، هو المتعيّن للاتّباع دون غيره.
وأمّا بالنسبة إلى النقطة الثانية: فقد ذكروا وجوهاً للدفاع عن الصّحابة، وكلّها وجوه ساقطةٌ، لا تقاوم ظواهر الآية ودلالة الحديث، وأظن أن هذا هو السبب لمحاولة الرازي إنكار أصل الفضيلة، وتلك الوجوه هي:
1 ـ إن المدّة بين الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى ونسخ هذا الأمر لم تُطل، فلم تكن هناك فرصة لإطاعة غير علي لهذا الأمر.
2 ـ احتمال أن يكون الأمر ندبيّاً لا وجوبيّاً، والمندوب يجوز تركه.
3 ـ إحتمال أن لا يكون الشيوخ الثلاثة حاضرين عند نزول الآية الكريمة.
4 ـ احتمال أن لا يكون عندهم الداعي إلى المناجاة.
5 ـ كيف؟ وأبو بكر قد أنفق ماله كلّه في الصدقة، وعمر جاء بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى!
وهذا كلّ ما ذكره المعتقدون بإمامة الشيخين من المفسرين والمحدّثين والمتكلّمين الأشاعرة منهم والمعتزلة، وسنتكلّم عليها بشرح البرهان الثامن عشر من براهين إمامة أمير المؤمنين من القرآن المبين. فانتظر.
(1) تفسير النيسابوري، ط هامش الطبري 28 / 24 ـ 25.