عن قرة بن قيس التميمي قال: نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن قال… فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه، صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء مقطّع الأعضاء. يا محمدا! وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا. قال: فأبكت واللّه كلّ عدوّ وصديق… .
قال هشام: فحدّثني عبد اللّه بن يزيد بن روح بن رنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي ـ من حمير ـ قال:… ثم إن عبيد اللّه أم بنساء الحسين وصبيانه فجهزن، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه، ثم سرّح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي ـ عائذة قريش ـ ومع شمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد…».
وهكذا روى البلاذري في أنساب الأشراف، واليعقوبي في تاريخه، وغيرهما.. وقد تقدم سابقاً ما يفيد للمقام.
وأمّا حمل الرأس الشريف إليه ونكته على ثناياه المباركة، فقد تقدّم سابقاً أيضاً، وقال البلاذري في (أنساب الأشراف): «قالوا: ونصب ابن زياد رأس الحسين بالكوفة وجعل يدار به فيها. ثم دعا زحر بن قيس الجعفي فسرّح معه رأس الحسين ورؤوس أصحابه وأهل بيته إلى يزيد بن معاوية، وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان الأزدي».
وقال الهيثم بن عدي، عن عوانة: لما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد تمثّل ببيت الحصين بن الحمان المري:
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
حدّثني عمرو الناقد وعمر بن شبة قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن عمّه فضيل بن الزبير، عن أبي عمر البزار، عن محمد بن عمرو بن الحسين قال: لما وضع رأس الحسين بن علي بين يدي يزيد قال متمثّلاً: يفلّقن هاماً… .
قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه، فقال أبو برزة الأسلمي: أتنكت ثغر الحسين، لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ربما رأيت رسول اللّه يرشفه. أمّا أنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجئ الحسين وشفيعه محمد. ثم قام. ويقال: إن هذا القائل رجل من الأنصار.
وحدّثني ابن برد الأنطاكي الفقيه عن أبي قال: ذكروا أن رجلاً من أهل الشام نظر إلى ابنة لعلي فقال ليزيد: هب لي هذه! فأسمعته زينب كلاماً. فغضب يزيد وقال: لو شئت أن أهبها له فعلت. أو نحو ذلك».
وإليك طرفاً مما رواه الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام):
«قال يحيى بن بكير: حدّثني الليث بن سعد قال: أبى الحسين أن يستأسر، فقاتلوه فقتل، وقتل ابنه وأصحابه بالطف وانطلق ببنيه: علي وفاطمة وسكينة إلى عبيد اللّه بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فجعل سكينة خلف سريره، لئلاّ ترى رأس أبيها، وعلي بن الحسين في غل. فضرب يزيد على ثنيتي الحسين رضي اللّه عنه وقال:
نفلّق هاماً من أناس أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
فقال علي (ما أَصابَ مِنْ مُصيبَة فِي اْلأَرْضِ وَلا في أَنْفُسِكُمْ إِلاّ في كِتاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) فثقل على يزيد أن تمثل ببيت، وتلا علي آية فقال: (فَبِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثير). فقال: أما واللّه لو رآنا رسول اللّه مغلولين لأحبّ أن يحلّنا من الغلّ. قال صدقت. حلّوهم… .
كثير بن هشام: ثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين جعل ينكت بمخصرة معه سنّه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد اللّه بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود»(1).
وهذه الأخبار ونحوها موجودة في (تاريخ الطبري) و(المعجم الكبير للطبراني) و(الكامل لابن الأثير) و(مجمع الزوائد) و(البداية والنهاية) وغيرها(2).
(1) تاريخ الإسلام 5 / 19.
(2) انظر: المعجم الكبير 3 / 125، مجمع الزوائد 9 / 195، ترجمة الحسين من الطبقات: 208، سير أعلام النبلاء 3 / 320، البداية والنهاية 8 / 207 و 209.