ولكن معاوية وفئته قد قاتلوا عليّاً عليه السلام، ولما كان ابن تيمية موالياً لهم جعل يدافع عنه بالأباطيل، فيقول:
أوّلاً: الباغي قد يكون متأوّلاً معتقداً أنه على حق، وقد يكون متعمّداً يعلم أنه باغ، وقد يكون بغيه من شبهة أو شهوة وهو الغالب. وعلى كلّ تقدير، فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة، فإنهم لا ينزّهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد… .
ويقال لهم ثانياً: إن قال الذابّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي قال لعمار رضي اللّه عنه: «تقتلك الفئة الباغية» وهم قتلوا عمّاراً. فهنا للناس أقوال:
منهم من قدح في حديث عمار.
ومنهم من تأوّله على أن الباغي الطالب، و هو تأويل ضعيف.
وأمّا السّلف والأئمة، فيقول أكثرهم كأبي حنيفة و مالك وأحمد وغيرهم، لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية، فإن اللّه لم يأمر بقتالها ابتداء، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما، ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي، وهؤلاء قوتلوا ابتداء قبل أن يبتدؤا بقتال.
فإن قال الذابّ عن علي: كان علي مجتهداً في ذلك.
قال له منازعه: ومعاوية كان مجتهداً في ذلك.
فإن قال: كان مجتهداً مصيباً.
ففي الناس من يقول له: ومعاوية كان مجتهداً مصيباً أيضاً، بناء على أن كلّ مجتهد مصيب، وهو قول الأشعري.
ومنهم من يقول: بل معاوية مجتهد مخطئ وخطأ المجتهد مغفور.
ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه.
ومن الفقهاء من يقول كلاهما كان مجتهداً، لكن علي كان مجتهداً مصيباً ومعاوية كان مجتهداً مخطئاً. والمصيب له أجران والمخطئ له أجر.
ومن نازعه في أنه كان إمام حق، لم يمكن الرافضة أن يحتجّوا على إمامته بحجّة إلا نقضها ذلك المعارض، ومن سلّم له أنه كان إمام حق ـ كأهل السنة ـ فإنه يقول: الإمام الحق ليس معصوماً، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كلّ من خرج على طاعته.
ومن قاتل عليّاً ـ إن كان باغياً ـ فليس ذلك بمخرجه عن الإيمان ولا بموجب له النيران، ولا مانع له من الجنان، فإن البغي إذا كان يتأوّل كان صاحبه مجتهداً. ولهذا اتفق أهل السنة على أنه تفسق واحدة من الطائفتين وإن قالوا في إحداهما أنهم كانوا بغاة، لأنهم كانوا متأوّلين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يكفّر ولا يفسّق، وإن تعمّد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة، كالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وشفاعة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاء المؤمنين وغير ذلك»(1).
(1) منهاج السنّة 4 / 395.