في أنها كانت من المحرّضين ضدّ عثمان
أقول:
أمّا أنها «كانت في كلّ وقت تأمر بقتل عثمان».
فمن ذلك قولها لمروان بن الحكم وقد طلب منها الإقامة بالمدينة لتدفع عن عثمان وهو محصور: «واللّه لا أفعل، وددت ـ واللّه ـ أنه في غرارة من غرائري، وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر».
وقولها لابن عباس: «إياك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية».
وعن سعد بن أبي وقاص ـ وقد سئل: من قتل عثمان؟ ـ «قتله سيف سلّته عائشة، وشحذه طلحة، وسمّه علي» قال الراوي: «قلت: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه».
وعن أمّ سلمة ـ لما جاءت إليها عائشة تخادعها على الخروج معها إلى البصرة ـ :
«أنا أم سلمة، إنك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلاً».
وعن الأحنف بن قيس لمّا قالت له: «ويحك يا أحنف بم تعتذر إلى اللّه من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان؟ أمن قلّة عدد؟ أو أنك لا تطاع في العشيرة؟ قال:
«يا أمّ المؤمنين، ما كبرت السنّ ولا طال العهد، وإن عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه».
وعن المغيرة بن شعبة في جواب قولها له: «يا أبا عبد اللّه، لو رأيتني يوم الجمل، قد أنفذت النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي».
قال: «وددت ـ واللّه ـ أن بعضها كان قتلك.
قالت: يرحمك اللّه، ولم تقول هذا؟
قال: لعلّها تكون كفارة في سعيك على عثمان…».
وعن عمّار رضي اللّه عنه ـ وقد رآها باكية على عثمان ـ : «أنت بالأمس تحرّضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه؟».
وعن سعيد بن العاص أنه لقي مروان وأصحابه بذات عرق فقال: «أين تذهبون وثاركم على أعجاز الإبل؟ اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم، لا تقتلوا أنفسكم…».
وعن أمير المؤمنين عليه السلام ـ في كتاب له إلى طلحة والزبير وعائشة ـ :
«وأنت يا عائشة، فإنك خرجت من بيتك عاصية للّه ولرسوله، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين!
فخبّريني، ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال والوقع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحترمة!
ثم إنك طلبت ـ على زعمك ـ دم عثمان، وما أنت وذاك، وعثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم!
ثم أنت بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول اللّه: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، ثم تطلبين اليوم بدمه!
فاتقي اللّه وارجعي إلى بيتك وأسبلي عليك سترك».
وأمّا أنها كانت تقول: «اقتلوا نعثلاً».
فقد رأيته في بعض الكلمات المذكورة والآتية، رواه المؤرّخون والمحدّثون حتى في كتبهم في اللغة. فراجع كلاّ من:
(النهاية في غريب الحديث) و(لسان العرب) و(القاموس) و(تاج العروس) وغيرها في كلمة (نعثل).
وأمّا «أن المنقول عنها أنها أنكرت…».
فهذا صحيح، ولكن بعد ما قتل.. كما عرفت من الكلمات المتقدّمة، فهذا لا يكذّب ما ذكره العلاّمة، والرجل يفهم هذا ولكن يغالط!
وكذا قوله: «هب أن واحداً..» فإنه مغالطة واضحة، فإن التحريض على القتل وتشبيه عثمان بـ(نعثل) وهو رجل يهودي، وإخراجها قميص رسول اللّه وشعره وهي تقول: «هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه»، وقولها لما بلغها قتله: «أبعده اللّه، ذلك بما قدمت يداه وما اللّه بظلاّم للعبيد» وأمثال ذلك… ليس «كلمة على وجه الغضب»، ولو كان كذلك لما اعترض عليها المعترضون قائلين: «إنك كنت بالأمس…».
Menu