موته على غير السنّة
قال قدس سرّه: وقد روى عبد اللّه بن عمر قال: أتيت النبي صلّى اللّه عليه وآله فسمعته يقول: «يطلع عليكم رجل يموت على غير سنّتي» فطلع معاوية.
الشرح:
قال ابن تيمية: «نحن نطالب بصحة هذا الحديث… هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث التي يرجع إليها في معرفة الحديث، ولا له إسناد معروف.. وعبد اللّه بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة…»(1).
أقول:
من الطبيعي أن لا يوجد هذا في شيء من الكتب التي صنّفها أنصار معاوية وآل أبي سفيان، وما أكثر ما كتموا مما هو أقلّ منه في الدلالة على كفر القوم وضلالتهم، ولكن تكفينا رواية واحد من «أهل المعرفة بالحديث»، وهو أبو جعفر الطبري، فقد رواه ضمن كتاب كتبه واحد من «خلفاء الرسول وأمراء المؤمنين» عندهم، وهو المعتضد باللّه العباسي.
قال الطبري: «ذكر كتاب المعتضد في شأن بني أمية. وتحدّث الناس أن الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر، فلمّا صلّى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءته فلم يقرأ، فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وذكر أنها نسخة الكتاب الذي أنشأ للمعتضد باللّه» وقد كان مما جاء فيه:
وكان ممّن عانده (يعني النبي) ونابذه وكذبه وحاربه من عشيرته… أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب اللّه ثم الملعونين على لسان رسول اللّه، في عدّة مواطن وعدّة مواضع… ومنه: قول الرسول عليه السلام ـ وقد رآه مقبلاً على حمار يقوده به ويزيد ابنه يسوق به ـ : «لعن اللّه القائد والراكب والسائق..».
ومنه: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي، فطلع معاوية».
ومنه: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه…»(2).
هذا، وقد رواه مسنداً عن عبد اللّه بن عمر: نصر بن مزاحم قال:
«شريك، عن ليث، عن طاوس، عن عبد اللّه بن عمر قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلّم فسمعته يقول: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يموت حين يموت وهو على غير سنّتي. فشقّ عليّ ذلك، وتركت أبي يلبس ثيابه ويجئ، فطلع معاوية»(3).
ورجال السند كلّهم ثقات ومن رجال الصحاح، ونصر بن مزاحم وثّقه ابن حبّان، وتكلّم بعضهم في أحاديثه كالعقيلي قال: «شيعي، في حديثه اضطراب وخطأ كثير»(4)والتكلّم في الراوي أو في حديثه من أجل التشيع غير مسموع.
ويؤكد صحة هذا الحديث أن الحافظ البلاذري رواه عن طاووس بطريقين، فإنه قد رواه:
عن عبد اللّه بن صالح عن يحيى بن آدم عن شريك عن ليث عن طاووس.
وعن إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه.
لكنه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، لا عبد اللّه بن عمر بن الخطاب… .
والسندان معتبران عندهم قطعاً.
وأمّا أن ابن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة، فيردّه ـ بالإضافة إلى ثبوت الخبر المذكور عنه ـ ما يروى من وجوه عن جماعة من التابعين عن ابن عمر أنه قال حين حضرته الوفاة: «ما أجدني آسى على شيء فاتني في الدنيا إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية»(5).
هذا، ولولا ثبوت الخبر عن ابن عمر لما وضع الوضّاعون في مقابله: «الآن يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع معاوية…».
ذكره الذهبي وقال: «خبر باطل»(6).
(1) منهاج السنّة 4 / 444.
(2) تاريخ الطبري 10 / 54.
(3) وقعة صفين: 219.
(4) لسان الميزان 6 / 157.
(5) المستدرك 3 / 115، الطبقات 4 / 127، مجمع الزوائد 3 / 182، أسد الغابة 4 / 33 وغيرها.
(6) ميزان الاعتدال 2 / 133.