الوجه الثالث:
كون إمامته حقّاً لا ينافي جواز الاستقالة وعدم كونها معصيةً، لأن المفروض انعقاد إمامته بالاختيار. قاله ابن أبي الحديد(1).
والجواب: إنه لا يجوز له الاستقالة حتى بناءً على أن الإمامة بالاختيار، لأن البيعة عقد من العقود، وقد قال اللّه عز وجل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
الوجه الرابع:
قال ابن روزبهان: «وقد قيل أنه قال هذا بعد ما شكا بعض أصحاب رسول اللّه استئثاره للخلافة من غير انتظار لحضورهم»(2).
وجوابه يظهر ممّا تقدّم من رواياتهم في الباب… ولعلّه تنبّه إلى ضعف كلامه فنسبه إلى «القيل».
الوجه الخامس:
قال الدهلوي وتبعه الآلوسي ـ واللّفظ للثاني ـ «ثبت في الصحيفة الكاملة، وهي من الكتب الصحيحة عندهم، من قول الإمام السجاد رضي اللّه عنه: أنا الذي أفنت الذنوب عمره. فإن كان صادقاً بهذا الكلام لم يكن لائقاً للإمامة، لأن الفاسق المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة. وكذا إن كان كاذباً فكذلك لما مر. فما هو جوابهم فهو جوابنا.
والجواب: إنه كلام باطلٌ جداً. إذ كيف يريد إلزام الامامية بقياس واضح البطلان عندهم جدّاً؟
الإمام السجّاد الذي لقّبه النبي صلّى اللّه عليه وآله بـ«سيد العابدين» إمام معصوم، فما جاء في كلامه وكلام غيره من الأئمة من هذا القبيل وكذلك ما جاء عن الأنبياء عليهم السلام… كلّ ذلك محمول على الاعتراف بالتقصير أمام اللّه سبحانه وتعالى. وأمّا أبو بكر، فلا يدّعي أحدٌ له العصمة أبداً، وقد اعترف على رؤوس الاشهاد مرّةً بعد أخرى بعدم أهليّته للإمامة، فكيف يعارض كلامه بكلام الإمام السّجاد المذكور ونحوه؟
وعلى الجملة، كم فرق بين مناجاة معصوم مع اللّه واعترافه بالتقصير أمامه، واعتراف عبد غير معصوم أمام الناس بالنقص والقصور؟!
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 6.
(2) انظر: دلائل الصدق 3 / 25.