الوجه الأوّل:
أمّا ابن تيمية، فلم يذكر وجهاً مهمّاً إلا حمل الكلام على التواضع، وقد ذكر غيره هذا الوجه أيضاً.
قال ابن روزبهان: إن صحّ هذا فهو من باب التواضع وتأليف قلوب التابعين، وحق الإمام أن لا يفضّل نفسه على الرعيّة ولا يتكبّر عليهم.
وقال ابن كثير: ثم تكلّم أبو بكر فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال: أمّا بعد، أيّها الناس، فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي ]عندي[ حتى اُزيح علّته إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء اللّه، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا ضربهم اللّه بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمّهم اللّه بالبلاء، أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله، فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم اللّه. وهذا إسناد صحيح.
فقوله رضي اللّه عنه: «وليتكم ولست بخيركم» من باب الهضم والتواضع، فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي اللّه عنهم.
ويردّ هذا الوجه:
1 ـ تكرّر هذا الكلام من أبي بكر، وحمله على التواضع مع تكرّره خلاف الظاهر جدّاً.
2 ـ إن التواضع وهضم النفس في أمر الدّين والخلافة غير معقول، كيف؟ ولا يبقى حينئذ وثوق بالكلام لعدم العلم بقصده. قاله الشهيد التستري.
3 ـ إن الألفاظ الموجودة في روايات القوم للكلام، لا تدع مجالاً للحمل على التواضع أصلاً، انظر مثلاً قوله: «…إن هذا أوردني الموارد…» وقوله: «أذكر باللّه أيّما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجله» وقوله حالفاً على عدم خيريّته: «أما واللّه ما أنا بخيركم» وأمثال ذلك من العبارات.
ولعلّه من هنا لم يذكر بعضهم ـ كالدّهلوي ومقلِّده الآلوسي ـ هذا الوجه في مقام الدفاع عن أبي بكر.
Menu