اللجوء إلى الإحتياط
وعلى الجملة: فإن هذا الحديث ـ وهو أصحّ ما في الباب ـ لا يصلح للاستدلال على الغسل، وكأنَّ القوم ملتفتون إلى ذلك، فتراهم يلجأون إلى وجوه خارجة عن مقتضى الكتاب والسنة، فقال بعضهم بالاحتياط(1).
قال الرازي: «والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه».
لكنه مردود بوجوه:
أحدها: أن (الغسل) و (المسح) أمران متباينان، واشتمال الغسل على المسح لا يكفي في الخروج عن عهدة التكليف بالنسبة إلى المسح، وهل يقال بامتثال من أُمر بإحضار (إنسان) فجاء بـ(حيوان)، بحجة أن (الحيوان) جنس يعم الإنسان وغيره؟
وكأنَّ ما ذكره الرازي هو المراد من قول ابن تيمية بعد الاعتراف بدلالة القرآن على وجوب المسح: «فلو قدِّر أن السنة أوجبت قدراً زائداً على ما أوجبه القرآن لم يكن في هذا رفعاً لموجب القرآن…».
وثانيها: إذا كان المفروض رفع اليد عن الكتاب بـ«أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل» كما ذكر، فالتكليف واضح متعيّن، وأيّ حاجة إلى الاستدلال بالاحتياط؟ لكن هذا الاستدلال أيضاً يشهد بعدم كثرة الأخبار الواردة بإيجاب الغسل بحيث تجوز رفع اليد عن القرآن.
وثالثها: إن وصلت النوبة العمل بالاحتياط بسبب التعارض بين الآية والأخبار، فإن مقتضى الاحتياط ليس الغسل وحده، بل الجمع بين الغسل والمسح، كما ذكر هو عن داود الأصفهاني والناصر للحق من أئمة الزيدية.
وتلخص: أن ما ذهب إليه القوم من إيجاب الغسل تغيير للحكم الإلهي الذي نصّ عليه في القرآن الكريم، وفي وجود الإختلاف بينهم في وجوبه ـ حتى ذهب بعضهم إلى الاحتياط كما عرفت، وبعضهم إلى التخيير كما نقل الرازي عن الحسن البصري ـ دلالة على ذلك.
ثم إن ابن تيمية، العاجز عن توجيه البدعة في الغسل، ذكر إجزاء المسح على العمامة وعلى الخفين، وادّعى تواتر السنّة عن النبي بالمسح على الخفين.
(1) تفسير الرازي 11 / 162، الجصاص 2 / 421، روح المعاني 6 / 78.