الجهة الثانية: متن الخبر:
وفي متنه عن المسور في الكتابين المعروفين بالصحيحين إشكالات، ذكرها الشراح واضطربت كلماتهم وتناقضت في الإجابة عليها:
أحدها: في قول (مسور): «وأنا يومئذ محتلم».
والثاني: في مناسبة هذه الحكاية لطلب السيف من الإمام السجاد؟
والثالث: في أنه لما طلب السيف من الإمام، ذكر له أنه سيبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطره، مع أنه لم يراع خاطره في أنه حدّثه بما فيه غضاضة عليه وعلى جدّه!
قال ابن حجر بشرح البخاري: «في رواية الزهري، عن علي بن حسين، عن المسور ـ الماضية في فرض الخمس ـ : يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم. قال ابن سيد الناس: هذا غلط… والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلّى اللّه عليه وآله، لأنه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي صلى اللّه عليه وآله ثمان سنين»(1).
وقال في ترجمة المسور بعد ذكر الحديث:«وهو مشكل المأخذ، لأن المؤرّخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة، وقصة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحو ست سنين أو سبع سنين، فيكف يسمّى محتلماً(2).
هذا بالنسبة إلى الإشكال الأوّل.
وبالنسبة إلى الثاني، قال الكرماني: «فإن قلت: ما وجه مناسبة هذه الحكاية لطلب السيف؟ قلت: لعلّ غرضه منه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يحترز مما يوجب الكدورة بين الأقرباء، وكذلك أنت أيضاً ينبغي أن تحترز منه، وتعطيني هذا السيف حتى لا يتجدد بسببه كدورة أخرى.
أو: كما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يراعي جانب بني أعمامه العبشمية، أنت راع جانب بني أعمامك النوفلية، لأن المسور نوفلي.
أو: كما أنه صلّى اللّه عليه وآله يحبّ رفاهيّة خاطر فاطمة، أنا أيضاً أحبّ رفاهيّة خاطرك فأعطنيه حتى أحفظه لك»(3).
وأورد ابن حجر العسقلاني هذه الوجوه، بعد أن أشكل على الثاني منها بأن المسور زهري لا نوفلي، قال: «وهذا الأخير هو المعتمد، وما قبله ظاهر التكلّف»(4).
لكن العيني لم يرض بهذا الوجه المعتمد! فقال: «إنما ذكر المسور قصّة خطبة علي بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبّته في فاطمة وفي نسلها، لما سمع من رسول اللّه»(5).
لكنه كلام بارد جدّاً، لأنه لا يجيب عن السؤال عن وجه المناسبة ولا يرفع الإشكال بعد وجودها، فالإمام عليه السلام كان قادماً من العراق، مع تلك النسوة والأطفال، وبعد تلك الحوادث الرهيبة، وهل كان خاطره في رفاهيّة إلا من طرف السيف، فأراد المسور رفاهيّة خاطره من هذه الناحية أيضاً؟
وبالنسبة إلى الإشكال الثالث، قال ابن حجر في آخر كلامه السابق:
«وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب» فقال في كتاب المناقب:
«ولا أزال أتعجّب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتى قال: إنه لو أودع عنده السيف لا يمكّن أحداً منه حتى تزهق روحه، رعاية لكونه ابن ابن فاطمة، ولم يراع خاطره في أن في ظاهر سياق الحديث غضاضة على علي بن الحسين، لما فيه من إيهام غض من جدّه علي بن أبي طالب، حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة، حتى اقتضى أن يقع من النبي صلّى اللّه عليه وآله في ذلك من الانكار ما وقع؟
بل أتعجّب من المسور تعجّباً آخر أبلغ من ذلك وهو: أن يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه ـ أعني: الحسين، والد علي الذي وقعت معه القصّة ـ حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة؟»(6).
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 9 / 269.
(2) تهذيب التهذيب 10 / 138.
(3) الكواكب الدراري 13 / 88 .
(4) فتح الباري 6 / 150.
(5) عمدة القاري 15 / 34.
(6) فتح الباري 9 / 268 ـ 269.