الكلام على حديث مسور:
وهو الخبر الذي اتفقوا على نقله، والذي لم يخرّج الشيخان سواه، وإذا ما راجعنا أسانيده عندهم وجدناها تنتهي إلى:
1 ـ علي بن الحسين، وهو الإمام زين العابدين عليه السلام.
2 ـ عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي مليكة.
والراوي عن الإمام زين العابدين ليس إلاّ: محمد بن شهاب الزهري.
والراوي عن ابن أبي مليكة: اللّيث بن سعد وأيوب بن أبي تميمة السختياني.
ثم إن البخاري ومسلماً وغيرهما يروونه عن: أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري. وعن: الوليد بن كثير، عن محمد بن عمر بن حلحلة، عن الزهري.
ويرويه مسلم عن: النعمان، عن الزهري.
وقبل أن نتكلّم في (الزهري) و (ابن أبي مليكة) و(المسور) نفسه، لابدّ من إشارة عابرة إلى حال بعض هؤلاء، فنقول:
(أبو اليمان) هو (الحكم بن نافع) و (شعيب) هو (شعيب بن حمزة) كاتب (الزهري) وراويته، وقد تكلّم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب، حتى قال بعضهم: لم يسمع منه ولا كلمة(1). وهما من أهل حمص، وقد كانوا حينذاك من أشدّ الناس على علي وأكثرهم عداوة له(2).
وكان (الوليد بن كثير) أباضيّاً(3).
و(النعمان) وهو (النعمان بن راشد الجزري): ضعّفه القطّان جدّاً، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير، وقال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في الضعفاء، وقال أبو داود: ضعيف، وكذا قال النسائي والعقيلي(4).
ثم إن (ابن أبي مليكة) كان قاضي عبد اللّه بن الزبير، ومؤذّنه(5).
وإن (الزهري) من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين كذلك، فقد كان هو وعروة بن الزبير يجلسان في المسجد النبوي وينالان من الإمام عليه السلام(6). ومما يشهد بذلك:
أوّلاً: روايته عن يزيد بن معاوية(7).
وثانياً: سعيه وراء إنكار خصائص أمير المؤمنين، قال ابن عبد البر: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري»(8).
وثالثاً: وضعه الحديث عن لسان أهل البيت في الوقيعة والشغب بينهم، من ذلك ما وضعه على لسان ابني محمد بن الحنفية، عن أمير المؤمنين أنه قال لابن عباس، وقد بلغه أنه يقول بالمتعة: «إنك رجل تائه، إن رسول اللّه نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية». هذا الحديث الذي حكم ببطلانه كبار أئمة القوم، كالبيهقي، وابن عبد البر، والسهيلي، وابن القيم، والقسطلاني، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم.
ورابعاً: كونه من عمّال بني أمية ومشيّدي سلطانهم، فقد ذكر الذهبي عن بعض الأئمة أنهم وصفوه بأنه كان شرطياً لبني أمية(9).
وذكروا بترجمة الأعمش عن ابن معين أنه قال: «تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟ الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان، ورع، عالم بالقرآن»(10)… .
بل جاء بترجمة الزهري في (رجال المشكاة) للشيخ عبد الحق المحدّث الدهلوي: «إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم، فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟».
وقد خاطبه الإمام زين العابدين عليه السلام في كتاب له إليه يعظه فيه ويذكّره اللّه والدار الآخرة، وينبّهه على الآثار السيئة المترتبة على كونه في قصور السلاطين وقد جاء فيه: «إن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغي… جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم… إحذر فقد نبّئت، وبادر فقد أجّلت… أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة.. فأعرض عن كلّ ما أنت فيه.. ما لك لا تنتبه من نعستك؟ ولا تستقيل من عثرتك…؟»(11).
أقول: فإذا كان هذا حال الزهري، وهذا موقف الإمام عليه السلام مما هو فيه، كيف تصدّق أن يكون قد حدّثه بهكذا حديث وفيه تنقيص على جدّه الرسول الأمين وأمّه الزهراء، وأبيه أمير المؤمنين؟
وأما (المسور) فقد كانت أمارات النصب والعداء لأمير المؤمنين مجتمعة فيه:
1 ـ كان مع ابن الزبير، وكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه، وقد قتل في واقعة رمي الكعبة بالمنجنيق، بعد أن قاتل دون عبد اللّه، وولي ابن الزبير غسله.
2 ـ وكانت الخوارج تغشاه وينتحلونه.
3 ـ وكان إذا ذكر معاوية صلّى عليه(12).
هذا، وقد ذكروا أنه قد ولد بعد الهجرة بسنتين، فكم كانت سنّي عمره في وقت خطبة النبي صلّى اللّه عليه وآله في القضية؟
(1) تهذيب التهذيب 2 / 380.
(2) معجم البلدان 2 / 304.
(3) تهذيب التهذيب 11 / 131.
(4) تهذيب التهذيب 10 / 404.
(5) تهذيب التهذيب 5 / 286.
(6) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(7) الكاشف عن رجال الكتب الستة 2 / 311.
(8) الإستيعاب 2 / 546.
(9) سير أعلام النبلاء 7 / 226، ميزان الاعتدال 1 / 625.
(10) تهذيب التهذيب 4 / 197.
(11) جاء النص الكامل لهذا الكتاب في كتاب: تحف العقول عن آل الرسول: 274 ـ 277 لابن شعبة أحد قدماء الإمامية، وفي إحياء العلوم للغزالي 2 / 143 لكنه قال: «لما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه»!
(12) سير أعلام النبلاء 3 / 391، تهذيب التهذيب 10 / 7.