الفصل الثاني:
إنه يدلّ على مشروعيّة هذا النكاح قبل الإجماع: الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب، فقد ورد في خصوص هذا النكاح قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)(1). وقد قال جماعة من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن وأحكامه، بنزول هذه الآية في المتعة ودلالتها عليها، حتى أنهم كانوا يقرأون الآية: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل.. وكتبوها كذلك في مصاحفهم… فتكون نصّاً في المتعة. ومن هؤلاء: عبد اللّه بن عباس، وأبيّ بن كعب، وعبد اللّه بن مسعود، وجابر بن عبد اللّه، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، وقتادة… .
فراجع: الطبري، والقرطبي، وابن كثير، والكشاف، والدر المنثور… بتفسير الآية المباركة… وراجع أيضاً: أحكام القرآن للجصّاص، وسنن البيهقي، وشرح صحيح مسلم بن الحجاج، والمغني لابن قدامة(2).
بل ذكروا عن ابن عباس أنه قال: «واللّه لأنزلها اللّه كذلك. ثلاث مرات».
وعنه وعن اُبيّ التصريح بأنها غير منسوخة… .
بل نصّ القرطبي على أن دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور، وهذه عبارته: «وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام».
لكن ابن تيمية أبهم الكلام لغرض التغطية على الواقع فقال:
«فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السّلف، فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى».
لكن ليس قراءة طائفة منهم فحسب، بل إنها قراءة الأئمة المرجوع إليهم في القرآن، فإنهم قرأوا وفسّروا الآية كذلك، وقال الجمهور ـ لا طائفة من السّلف فقط ـ بأن «المراد نكاح المتعة» فسقط قوله: «لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك».
على أن ابن عباس واُبيّاً وغيرهما نصّوا على أن الآية غير منسوخة، وبقوا على حليِّة المتعة حتى وفاة النبي صلّى اللّه عليه وآله وحتى زمن معاوية، فسقط قوله: «فيكون منسوخاً ويكون لما كانت المتعة مباحة، فلمّا حرّمت نسخ هذا الحرف».
فظهر سقوط دعواه أن الآية الكريمة لا تدلّ على حليّة نكاح المتعة.
(1) سورة النساء: 24.
(2) احكام القرآن 2 / 185، سنن البيهقي 7 / 205، شرح صحيح مسلم 9 / 179، المغني 7 / 571.