الحديث الحادي عشر: حديث سعد في مجلس معاوية
وهذا من جملة الأخبار الثابتة، حتى أن ابن تيمية ما وسعه تكذيبه فقال: «فهذا حديث صحيح. رواه مسلم في صحيحه وفيه ثلاث فضائل لعلي.
قال: «لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من خصائص علي…» قال: «فإنه استخلف على المدينة غير واحد… وكذلك قوله: لأعطينّ الراية رجلاً… وهذا الحديث أصح ما روي لعلي من الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه. وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي، فإن اللّه ورسوله يحبّ كلّ مؤمن تقي وكلّ مؤمن تقي يحبّ اللّه ورسوله… وكذلك حديث المباهلة، شركه فيه فاطمة وحسن وحسين…»(1).
أقول: الكلام هنا في ثلاث جهات:
الأولى: إن هذا الحديث صحيح باصطلاح القوم بحيث اعترف ابن تيمية أيضاً بذلك، فلم تبق حاجةٌ لذكر أسانيده ومخرّجيه من أئمة القوم، فهذه جهة السند.
الثانية: الدلالة، وفيها أمور نشير إليها:
1 ـ عداء معاوية لأمير المؤمنين علي عليه السلام، حتى أنه كان يأمر بسبّه.
2 ـ عدم جواز سبِّ علي عليه الصّلاة والسّلام، لأنه كان محبوباً عند اللّه ورسوله، بل كان نفس رسول اللّه، ولذا جعله الخليفة له ونزّله من نفسه بمنزلة هارون من موسى. فكيف يجوز سبّ من اختص عند اللّه ورسوله بالمنازل التي قال سعد: «لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم».
3 ـ والمنازل المذكورة في هذا الحديث هي:
حديث المنزلة. وحديث خيبر، وحديث آية المباهلة.
أقول:
أمّا هذه الأحاديث، فسيأتي بيان كون كلّ منها خصيصة لأمير المؤمنين عليه السلام ـ تدلّ على إمامته وولايته العامّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بلا فصل ـ بالتفصيل، حيث يتعرّض العلاّمة له إن شاء اللّه. وسيظهر هناك أن ليس كلام ابن تيمية إلا مغالطة ومجادلة بالباطل.
لكن دلالة الحديث ـ بكلّ صراحة ووضوح ـ على بغض معاوية لأمير المؤمنين وهو نفس رسول اللّه في حياته وخليفته بعد وفاته، ممّا يصعب على أتباع معاوية وأنصار بني أمية الاعتراف به، بل يحاولون كتمانه إذ لم يمكنهم إنكاره، ولذا تراهم يحرّفون لفظ الخبر، فتجده في كتبهم بأنحاء مختلفة:
ففي صحيح مسلم وسنن الترمذي: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبُّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم…»(2).
وفي المستدرك: «قال معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب؟ فقال: لا أسبّ ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه…»(3).
وفي بعض الكتب: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل على سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد…»(4).
ورواه ابن كثير، فحذف منه: «فنال منه فغضب سعد»(5).
وفي كتاب المناقب لأحمد: «إنه ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص. فقال له سعد: أتذكر عليّاً؟…»(6).
وعند النسائي عن سعد: «كنت جالساً، فتنقصّوا علي بن أبي طالب، فقلت: لقد سمعت…»(7).
وجاء بعضهم، فحذف القصة كلّها، وروى عن سعد رأساً فقال: «عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم في علي ثلاث خلال…»(8).
هذا، ولا يخفى الاختلاف في الثلاثة، فبعضهم روى فيها حديث الغدير وبعضهم حديث المباهلة، واللّه العالم.
(1) منهاج السنّة 5 / 44 ـ 45.
(2) صحيح مسلم 7 / 120، سنن الترمذي 5 / 301.
(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 108.
(4) المصنف 7 / 496.
(5) البداية والنهاية 7 / 376.
(6) المناقب لاحمد بن حنبل: 148 برقم 217 وهو من زيادات القطيعي.
(7) خصائص علي: 50 .
(8) حلية الأولياء 4 / 356.