الحديث الأول: لو أن عبداً عَبَد اللّه…
رواه أبو المؤيد الموفق الخوارزمي بإسناده عن مسند زيد، فهو عن الحافظ شهردار بن شيرويه الديلمي الهمداني، عن شيخه أبي الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابةً، قال: حدّثني الشيخ أبو طاهر الحسين بن علي بن مسلمة، وهو يرويه عن زيد بن علي.
وزيد بن علي، يرويه عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه قال لعلي… .
وحاصل معنى الحديث: أن ولاية علي عليه السلام شرط للدخول في الجنّة، فمن أبغضه لا يدخلها ألبتة. وهذا المعنى وارد في أحاديث كثيرة يرويها أصحاب المسانيد والسنن بألفاظ مختلفة… فلو أن أحداً أظهر الشهادتين وصلّى وصام وحجّ وجاء بجميع الواجبات في الشريعة، وهو مبغض لأمير المؤمنين عليه الصّلاة والسلام، فهو منافق، بحكم قوله صلّى اللّه عليه وآله: «يا علي، لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(1). وحكم المنافقين في الآخرة معلوم بالكتاب والسنّة، وهذا هو السبب لتكذيبهم مثل هذه الأحاديث! بل إن نفس هذا المعنى واردٌ في أحاديث كثيرة نصّ بعض أئمتهم على صحته:
ففي حديث أخرجه الحاكم عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام، فصلّى وصام، ثم لقي اللّه وهو مبغض لأهل بيت محمد، دخل النار» قال: «هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».
ووافقه الذهبي في تلخيصه(2).
وفي حديث آخر، أخرجه الطبراني وابن عساكر والخطيب وغيرهم، عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «لو أن عبداً عبد اللّه بين الركن والمقام ألف عام وألف عام، حتى يكون كالشنّ البالي، ولقي اللّه مبغضاً لآل محمد، أكبّه اللّه على منخره في نار جهنم»(3).
وفي حديث ثالث، أخرجه ابن عساكر وغيره، عن أبي اُمامة الباهلي عنه صلّى اللّه عليه وآله: «ولو أن عبداً عَبَد اللّه بين الصّفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبّتنا ]صحبتنا[ لأكبّه اللّه على منخريه في النار، ثم تلا (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(4).
ومثلها أحاديث أخرى عن غيرهم من الصحابة.
لكن الثابت في محلّه فوق ذلك أيضاً، لأن مقتضى الأدلّة اشتراط ذلك بالقول بإمامته بعد رسول اللّه مباشرةً، وليس هنا موضع تفصيل الكلام فيه.
والمهم: أن نعرف أن هذا المعنى وارد في كتب الموافقين والمخالفين بالأسانيد وبعضها صحيح، بالنسبة إلى أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين، أمّا ما ورد في الكتب بالنسبة إلى غيرهم من القدح والطعن، فلا تجد شيئاً منه في أمير المؤمنين وأهل بيته، فأي الطّرفين هو الأولى بالاتّباع؟
(1) مسند الحميدي 1 / 31، السنن الكبرى للنسائي 5 / 137، مسند أبي يعلى 1 / 251، المعجم الأوسط 2 / 337، كنز العمال 11 / 598، مسند أحمد 1 / 95، سنن الترمذي 5 / 306، مجمع الزوائد 9 / 133، فتح الباري 1 / 60.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 149.
(3) تاريخ بغداد 13 / 124، مجمع الزوائد 9 / 171، تاريخ دمشق 42 / 328، الخصائص الكبرى 2 / 265، ذخائر العقبى: 18.
(4) تاريخ دمشق 42 / 65 ـ 66.