الحديث الأول: عن ابن عباس: لعلي أربع خصال
وكما تقدّم، فإن أبا عمر الزاهد من مشايخ الحاكم، وقد أخرج الحاكم هذا الحديث عن أبي عمر حيث قال: «حدّثني أبو عمرو(1) محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب إملاءً ببغداد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا زكريا بن يحيى المصري، حدثني المفضّل بن فضالة، حدثني سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لعلي أربع خصال، ليست لأحد، هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، والذي صبر معه يوم المهراس، وهو الذي غسّله ودخّله قبره»(2).
وأخرجه الحافظ ابن عبد البر قال: «حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن الفضل قال: حدّثنا محمد بن جرير قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه الدقاق قال: حدّثنا مفضل بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس…»(3).
وأخرجه ابن عساكر بإسناده عن مفضل بن صالح الأسدي… .
وبإسناد آخر من طريق أبي بكر بن خلف عن مفضّل…(4).
ورواه المؤيد الخوارزمي من طريق الحافظ البيهقي عن مفضل…(5).
ورواه الحافظ أبو العباس الطبري عن ابن عبد البر(6).
فهذا طرف من أسانيد هذا الحديث… وقد عرفت التصريح بكون هذه الخصال خصائص للإمام عليه السلام. لكن ابن تيمية كذّب به.
أمّا الذهبي، فقد ذكر في تلخيص المستدرك: «قلت: فيه زكريا بن يحيى الوقار، وهو متّهم».
قلت: قد قلّد الذهبي ابن عدي، لكن في اللّسان: ذكره ابن حبان في الثقات فقال: يخطئ ويخالف… ثم قال ابن حجر: وقد سمع أبو حاتم الرازي من زكريا الوقار وروى عنه(7). على أنه قد توبع في حديثه كما عرفت.
هذا، وقد جاء في الحديث التصريح بأن ليس لأحد تلك الخصال غيره، على أن لكلّ واحدة منها شواهد عديدة في الأحاديث الأخرى.
لكن ابن تيمية يقول: كان لواؤه معه في كلّ زحف، من الكذب المعلوم، إذ لواء النبي كان يوم أحد مع مصعب بن عمير… .
قال: وكذلك قوله: وهو الذي صبر معه يوم حنين، وقد علم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
قال: وأمّا غسله صلّى اللّه عليه وسلم وإدخاله قبره، فاشترك فيه أهل بيته.
قال: وكذلك قوله: هو أوّل عربي وعجمي صلّى. يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس. هذا موجز كلام ابن تيمية بألفاظه(8).
وموجز الجواب هو أنه: لو سلّمنا أن لواء النبي صلّى اللّه عليه وآله يوم كذا كان بيد غير أمير المؤمنين، كمصعب والزبير… فهو لم يكن بيد أبي بكر في موطن.
ولو سلَّمنا أن أقرب الناس إليه في حنين كان العباس أو أبو سفيان بن الحارث… فلم يكن أبو بكر… بل أين كان أبو بكر و عمر…؟!
ولو سلَّمنا أن أهل بيت علي عليه السلام شاركوه في غسل النبي ودفنه… فلم يكن أبو بكر…!
المهمُّ، أن نعرف أن لعلي عليه السلام فضائل ومناقب لم يدّعها لأبي بكر أتباعه المعتقدون بإمامته… فكيف يفضّلونه ويقدّمونه على علي؟ فأمّا العباس وأبو سفيان بن الحارث والزبير ومصعب… فلم يدّع أحدٌ لهم الإمامة، وعلي عليه السلام أفضل منهم بالإجماع.
لكن هذا دأب ابن تيمية ـ كسائر أنصار بني أمية أعداء النبي وآله ـ وقد تذكّرت أن معمراً سأل الزهري عن كاتب يوم الحديبية: «فضحك وقال: هو علي بن أبي طالب، ولو سألت عنه هؤلاء ـ يعني بني أمية ـ لقالوا: عثمان»(9).
هذا، ويكفي أن نورد هنا رواية ابن سعد ـ الذي هو أعلم وأقدم من ابن تيمية ـ : «إن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول اللّه يوم بدر وفي كلّ مشهد»(10).
ورواية أحمد ـ وهو إمام ابن تيمية ـ بإسناده عن مالك بن دينار قال: «سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد اللّه، من كان حامل راية رسول اللّه؟ قال: فنظر إليّ وقال: كأنك رخّي البال، فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القرّاء قلت: ألا تعجبون من سعيد، إني سألته من كان حامل راية رسول اللّه؟ فنظر إليَّ وقال: إنك لرخّي البال. قالوا: أرأيت حين تسأله وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت. كان حاملها علي. كان حاملها علي»(11).
قال الهيثمي: «وعن ابن عباس: إن راية النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كانت تكون مع علي بن أبي طالب وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استحرّ القتال كان النبي مما يكون تحت راية الأنصار. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عثمان بن زفر الشامي وهو ثقة»(12).
وكذلك قال الحافظ الصّالحي الدمشقي(13).
(1) كذا.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 111.
(3) الاستيعاب 3 / 1090.
(4) تاريخ دمشق 42 / 72 ـ 73.
(5) مناقب أمير المؤمنين: 58 .
(6) الرياض النضرة 2 / 202.
(7) لسان الميزان 2 / 487.
(8) منهاج السنّة 5 / 57 ـ 64.
(9) المصنف لعبد الرزاق بن همام 5 / 343.
(10) الطبقات الكبرى 3 / 23.
(11) المناقب: 358.
(12) مجمع الزوائد 5 / 321.
(13) سبل الهدى والرشاد 7 / 371.