الإضطراب و التلاعب بالأحاديث
وبعد أن رأينا أن الآية المباركة دالّة على المسح، والأحاديث الصحيحة الدالّة على المسح كثيرة، نرى أتباع عثمان وبني أمية يضطربون، فأوّل شيء فعلوه هو الوضع والتزوير والتلاعب بالأحاديث، فوضعوا أحاديث عن أمير المؤمنين وأتباعه في القول بالغسل، مع ذكرهم الإمام عليه السلام في أوّل القائلين بالمسح كما رأيت في كلام ابن حزم وغيره، وحرّفوا غير واحد من الأحاديث والأخبار الصحيحة التي ذكرناها.
ولنكتف بالكلام على واحد منها وهو الخبر التاسع الذي نقلناه عن مسند أحمد بسنده عن أبي مالك الأشعري، فقد جاء هذا الحديث في مسند أحمد بأشكال خمسة..
أحدها: ما ذكرناه وفيه «المسح» وقد كان عن«محمد بن جعفر» وهو المعروف بغندر، عن «سعيد» وهو ابن أبي عروبة، عن «قتادة»… .
والثاني: ما رواه وفيه «الغسل» وهو عن «عبد الرزاق عن معمر عن قتادة»..
قال أحمد: «فذكر حديث سعيد إلا أنه قال: وغسل قدميه»(1)!
والثالث: ما رواه بسنده عن «شهر بن حوشب…» وليس فيه لا (المسح) ولا (الغسل); إذ لم يبين كيفية الوضوء ولا ذكر الوضوء، قال: «ثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري، عن شهر بن حوشب، ثنا عبد الرحمن بن غنم: أن أبا مالك الأشعري جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلّمكم صلاة النبي صلّى اللّه عليه وآله صلّى لنا بالمدينة، فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم، فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ، فأحصى الوضوء إلى أماكنه، حتى لمّا أن فاء الفئ وانكسر الظل قام فأذن..»(2).
والرابع: ما رواه بسنده عن «شهر بن حوشب…» وليس فيه ذكر الوضوء أصلاً: قال: «ثنا محمد بن فضيل أنا داود بن أبي هند، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري: أنه قال لقومه: قوموا صلّوا حتى أصلّي لكم صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. قال: فصفوا خلفه فكبّر ثم قرأ ثم كبّر ثم ركع ثم رفع رأسه فكبّر، ففعل ذلك في صلاته كلّها»(3).
والخامس: ما رواه بسنده عن «شهر بن حوشب…» وليس فيه لا ذكر الوضوء، ولا كيفية الصّلاة!! قال: «ثنا أسود عن شريك، ثنا يحيى بن أبي كثير، وأبو النضر قالا ثنا الأشجعي أو قالا الأشعري ـ قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده: حدّثت عن الفضل بن العباس الواقفي، يعني الأنصاري من بني واقف، عن قرة بن خالد، ثنا بديل، ثنا شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري: ألا أحدّثكم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله؟ قال: وسلّم عن يمينه وعن شماله، ثم قال: وهذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. وذكر الحديث»(4).
أقول:
والمهم أن ننظر في الأوّل والثاني، فالسند واحد والحديث واحد، إلا أنه عن «سعيد بن أبي عروبة عن قتادة» (المسح)وعن«معمر بن راشد عن قتادة» (الغسل)، فأيهما الأثبت؟
لقد جاء في ترجمة (سعيد)(5) إن «أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، وشعبة، فمن حدّثك من هؤلاء الثلاثة بحديث يعني عن قتادة، فلا تبالي أن لا تسمعه من غيره».
وجاء فيه: «كان سعيد بن أبي عروبة أحفظ أصحاب قتادة» و«كان أعلم الناس بحديث قتادة» و«أثبت أصحاب قتادة: هشام وسعيد».
وجاء في ترجمة (معمر)(6) عن يحيى بن معين:«إذا حدّثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاووس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا». ولا يخفى أن (قتادة عراقي بصري) وعن (العلل للدارقطني): «سئ الحفظ لحديث قتادة والأعمش».
(1) مسند أحمد 5 / 342.
(2) مسند أحمد 5 / 343.
(3) مسند أحمد 5 / 344.
(4) مسند أحمد 5 / 344.
(5) تهذيب الكمال 11 / 9.
(6) تهذيب التهذيب 10 / 220، تهذيب الكمال 28 / 312 الهامش.