أقول:
هذا من فرط جهل الرجل أو تعصبه، إذ على المدعي أن يقيم الدليل المقبول على مدّعاه لا على المنكر فيما ينكره، كما هو معلوم.
ثم إن الأصل في دعوى كتابة معاوية للنبي صلّى اللّه عليه وآله هو: ما أخرجه مسلم، قال ابن حجر المكي في فضائل معاوية: «ومنها: إنه أحد الكتّاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما في صحيح مسلم…»(1).
وهو ـ لو صح ـ يفيد كونه كاتباً لا كاتباً للوحي، لكنه باطل موضوع كما صرّح كبار الأئمة كما ستعرف، ولنذكر نصّه عند مسلم:
«حدّثني عباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد بن جعفر المعقري قالا: حدّثنا النضر ـ وهو ابن محمد اليماني ـ حدّثنا عكرمة، حدّثنا أبو زميل، حدّثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم: يا نبيّ اللّه، ثلاث أعطنيهن.
قال: نعم.
قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوّجكها.
قال: نعم.
قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك.
قال: نعم.
قال: وتؤمّرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.
قال: نعم.
قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى اللّه عليه وسلم ما أعطاه، وذلك لأنه لم يكن يسئل شيئاً إلا قال: نعم»(2).
وهذه كلمات أهل العلم بالحديث فيه:
قال النووي: «واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال..»(3).
وقال ابن القيّم: «إن حديث عكرمة في الثلاث التي طلبها أبو سفيان من النبي صلى اللّه عليه وسلّم، غلط ظاهر لا خفاء فيه.
قال أبو محمد ابن حزم: هو موضوع بلا شك، كذبه عكرمة بن عمّار.
قال ابن الجوزي: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لا شك فيه ولا تردد.
وقد اتهموا به عكرمة بن عمار..»(4).
وقال الذهبي: «وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلاً منكراً عن سماك الحنفي عن ابن عباس، في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان»(5).
أقول:
فهذا هو الأصل في المسألة، وهذا حاله وهو في أحد الصحيحين!! ثم جاء بعد هؤلاء الوضاعين قوم استدلّوا بتلك الموضوعات، ولربما زادوا عليها أشياء من وضعهم! كما في هذا الحديث الموضوع، حيث وضع السابقون كون معاوية «كان يكتب بين يدي رسول اللّه» فأضاف بعض الكاذبين أنه «كان يكتب الوحي»!
قال ابن حجر المكي: «وقال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيما بينه وبين العرب. أي: من وحي وغيره، فهو أمين رسول اللّه على وحي ربه»(6).
والجملة «أي من وحي وغيره» إضافة من عند ابن حجر لكلام المدائني كذباً وتدليساً، إذ الكلام المذكور يوجد في المصادر السابقة على ابن حجر المكي وليس فيه هذه الجملة، قال ابن حجر العسقلاني: «وقال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلّى اللّه عليه وآله فيما بينه وبين العرب». إنتهى(7).
(1) تطهير الجنان واللسان ـ هامش الصواعق ـ : 19.
(2) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 16 / 63.
(3) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 16 / 63.
(4) زاد المعاد في هدي خير العباد 1 / 27.
(5) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 93.
(6) تطهير الجنان واللسان ـ هامش الصواعق ـ : 19.
(7) الإصابة في معرفة الصحابة 3 / 434.