نصبُ الإمام لطفٌ
قال قدس سره: ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول صلّى اللّه عليه وآله بالأئمة عليهم السّلام فنصب أولياء معصومين ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم… .
الشرح:
واعترض عليه: «إن أراد بقوله: نصب… أنه مكّنهم وأعطاهم القدرة على سياسة الناس حتى ينتفع الناس بسياستهم، فهذا كذب واضح وهم لا يقولون بذلك، بل يقولون: إن الأئمة مقهورون مظلومون. وإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم، فإذا أطاعوهم هدوهم، لكن الخلق عصوهم. فيقال: فلم يحصل بمجرّد ذلك…»(1).
قلت: قول العلاّمة «ليأمن» تعليل لاشتراط العصمة، و«لئلاّ…» تعليل للنصب.
ثم إن (النصب) شيء و(التصرّف) شيء آخر، فلا وجه لأن يراد (التصرّف) من (النصب)، كما أنه ليس المراد (بنصبهم) أنه أوجب على الخلق طاعتهم، بل المراد من (النصب) هو الإقامة والجعل، قال اللّه تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)(2)، فاللّه تعالى أوجدهم وجعلهم الأدلاّء عليه لطفاً ورحمة بالعباد، كما تنصب الرّايات في الطرقات لاهتداء العابرين بها لطفاً ورحمة بهم. فحال الإمام حال الراية، من خالف ضلّ، ومن اهتدى بلغ الغاية.. ولا ملازمة حتى يقال: «فلم يحصل بمجرّد ذلك في العالم لا لطف ولا رحمة». كما لا ينكر اهتداء أقوام من الناس بهم، فقول ابن تيمية: «إن ما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إيّاهم» كذب. فهذا سرّ التعبير بـ(النصب).
ثم إن من الأئمة من حصل له التمكّن ومنهم من لم يحصل، كما كان الحال بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين، ومنهم من سيحصل له ذلك، وهو المهدىّ المنتظر المتّفق على القول به بين المسلمين، وبه فسّر قوله عز وجلّ: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ)(3)، وقوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ..)(4) وغيرهما من آيات الكتاب، حيث يحصل من وجوده وتصرّفه النفع العام للعالم كلّه، كما كان إيجاده ونصبه إماماً لطفاً ورحمة بالعباد.
مضافاً إلى أن طوائف من الناس انتفعوا به في غيبته في قضايا شخصيّة أو وقائع عامّة أثبتها المحدّثون الأثبات في كتبهم الخاصّة به.
وبهذا المجمل يسقط قول ابن تيمية: «وأيضاً، فالمؤمنون بالمنتظر لم ينتفعوا به ولا حصل لهم به لطف…».
(1) منهاج السنة 1 / 131.
(2) سورة الأنبياء: 73.
(3) سورة النور: 55.
(4) سورة الأنبياء: 105.