موجز عقائد غير الإمامية و ما يرد عليها
قال قدس سره: أما باقي المسلمين فقد ذهبوا كلّ مذهب… .
الشرح:
لا يخفى أن مراده من (باقي المسلمين) هو الأعمّ من الأشاعرة والمعتزلة.
ولم ينكر ابن تيمية ما نسبه العلاّمة رحمه اللّه من هذه المذاهب إلى طوائف أهل السنّة وعلمائهم، حتى أنه قال في موضع: «قد قلنا غير مرة: نحن لا ننكر أن يكون في بعض أهل السنّة من يقول الخطأ»(1). إلا أنه يقول: هذه العقيدة ليست لجميع أهل السنّة، أو إن الزيدية تشاركهم فيها. لكن العلاّمة رحمه اللّه ذكر لكلّ فرقة من فرق أهل السنّة مذهبها، ولم ينسب مذهباً لأحدها إلى غيرها، كما أن مشاركة الزيديّة لأهل السنّة في بعض العقائد ـ إنْ ثبتت ـ لا يضرّ ما هو بصدده.
ثم إن عمدة ما ذكره العلاّمة رحمه اللّه عنهم مسألة أن اللّه جسم، وأن صفاته ليست ذاتيّة… وقد اضطرب ابن تيمية في هذا الموضع اضطراباً شديداً، فشرّق وغرّب، وأرعد وأبرق… ولكنه لم يأت بشيء.
وكان أهمّ ما تذرّع به وكررّه: أن التجسيم مضاف إلى بعض قدماء الإماميّة، كهشام بن الحكم… إلا أنها فرية سبقه إليها غيره ، وما زال أبناء طائفته يردّدونها ذاهلين عن حقيقة الحال أو متجاهلين واقع عقيدة هذا الرجل العظيم… فإن الذي ينقل عنه قوله بأن اللّه جسم لا كالأجسام… وقد ثبت أنه لم يكن قائلاً بالتجسيم، ولا أن مقولته هذه دالّة عليه… بل ذكر أبو الحسن الأشعري ـ الذي طالما نقل عنه ابن تيمية واعتمد على أقواله ـ ما نصّه: «حكي عنه أنه قال: هو جسم كالأجسام. ومعنى ذلك أنه شيء موجود»(2) وأوضحه في موضع آخر حيث قال: «قال قائلون: هو جسم خارج عن جميع صفات الأجسام، ليس بطويل، ولا عريض، ولا عميق، ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسّة ولا شيء من صفات الأجسام»(3).
ومن هنا نصّ شارح المواقف على أن هؤلاء لا يكفّرون، لأنهم ينفون جميع خواصّ الجسم، وليس في مقالتهم إلا إطلاق لفظ الجسم، بخلاف المصرّحين بالجسمية(4)، وقد بحثنا هذه المسألة في (المدخل).
(1) المصدر 3 / 110.
(2) مقالات الإسلاميين 1 / 257.
(3) مقالات الإسلاميين 1 / 260.
(4) شرح المواقف 8 / 19.