موجز ترجمة إمامهم الزهري
رابعاً: إنه قد ذكر الزهري في مقابلة الباقر عليه السلام، لكنه نسب القول بأعلميّته إلى الناس، وكأنه غير جازم بهذه الدعوى! لكن من هؤلاء الناس الذين يقولون بأعلميّة الزهري من الباقر عليه السلام؟ لقد نسب هذا إلى «الناس» هنا، وكان من قبل نسبه إلى «اتفاق أهل العلم» حيث قال: «… فالزهري أعلم بأحاديث النبي صلّى اللّه عليه وآله وأحواله وأقواله باتفاق أهل العلم، من أبي جعفر محمد بن علي، وكان معاصراً له»(1).
إنه يريد الحطّ من شأن أئمة أهل البيت عليهم السلام! لكنه يعلم بأن آراءه لا قيمة لها، فينسب مزاعمه تارة إلى «أهل العلم» وإلى «الناس» أخرى! وهل يقول أحد ـ إذا كان من أهل العلم والدّين حقاً ـ بأعلميّته، والكلّ يشهدون بأنه من الراوين والآخذين عن الباقر فيمن أخذ وروى؟ وما الذي يحمله على ذكر خصوص الزهري والتبجّح به في مقابلة أئمة أهل البيت في غير موضع من كتابه؟
الحقيقة، أن الزهري من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم السّلام، فالرجل إنما يذكره لكونه على رأيه واعتقاده، على ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي، فإنه قال: «وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام. وروى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه السلام فنالا منه، فبلغ ذلك علي ابن الحسين عليه السلام فجاء حتى وقف عليهما، فقال: أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك. وأما أنت يا زهري، فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك» قال: «وروى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة قال: كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه»(2).
ويؤكّد هذا سعيه وراء إنكار مناقب الأمير عليه السلام، كمنقبة سبقه إلى الإسلام، قال ابن عبد البر بترجمة زيد بن حارثة: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري»(3).
وروايته عن عمر بن سعد اللّعين قاتل الحسين بن علي أمير المؤمنين عليه السلام، قال الذهبي: «عمر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، وعنه إبراهيم وأبو إسحاق، وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟»(4).
وكونه من عمّال بني أميّة ومشيّدي سلطانهم، حتى أنكر عليه ذلك العلماء والزهّاد، فقد ذكر العلاّمة الدهلوي بترجمته من (رجال المشكاة): «أنه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم! فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟!».
ومن هنا قدح فيه ابن معين، فقد حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: «أجود الأسانيد الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه. فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري. فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري! الزهري يرى العرض والإجازة، ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان ورع عالم بالقرآن»(5).
وقال الذهبي: «أبو بكر ابن شاذان البغدادي، حدّثنا علي بن محمد السوّاق، حدّثنا جعفر بن مكرم الدقاق، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة قال: خرجت أنا وهشيم إلى مكة، فلما قدّمنا الكوفة رآني هشيم مع أبي إسحاق فقال: من هذا؟ قلت: شاعر السّبيع، فلما خرجنا جعلت أقول: حدثنا أبو إسحاق، قال: وأين رأيته؟ قلت: هو الذي قلت لك: شاعر السّبيع. فلما قدمنا مكة مررت به وهو قاعد مع الزهري فقلت: يا أبا معاوية من هذا؟ قال: شرطي لبني أميّة، فلما قفلنا جعل يقول: حدّثنا الزهري فقلت: وأين رأيته؟ قال: الذي رأيته معي. قلت: أرني الكتاب، وأخرجه. فخرقته»(6).
وقال الذهبي: «قال أحمد بن عبدويه المروزي: سمعت خارجة بن مصعب يقول: قدمت على الزهري وهو صاحب شرط بني أمية، فرأيته ركب وفي يديه حربة، وبين يديه الناس في أيديهم الكافركوبات، فقلت: قبّح اللّه ذا من عالم، فلم أسمع منه»(7).
هذا; ولقد ورث الزهري هذا العداء للإسلام والنبي وأهل بيت النبوة عليهم السّلام من آبائه! فقد ذكر ابن خلكان بترجمته: «وكان أبو جدّه عبد اللّه بن شهاب شهد مع المشركين بدراً، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليقتلنّه أو ليقتلنّ دونه.
وروي: أنه قيل للزهري: هل شهد جدّك بدراً؟ فقال: نعم ولكن من ذلك الجانب. يعني أنه كان في صفّ المشركين.
وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير.
ولم يزل الزهري مع عبد الملك ثم مع هشام بن عبد الملك، وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه»(8).
(1) منهاج السنة 1 / 230.
(2) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(3) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 2 / 546.
(4) تهذيب الكمال 21 / 357 و تهذيب التهذيب 7 / 396 وميزان الاعتدال 3 / 199.
(5) تهذيب التهذيب 4 / 197 ترجمة الأعمش.
(6) سير أعلام النبلاء 7 / 226.
(7) ميزان الاعتدال 1 / 625.
(8) وفيات الأعيان 4 / 178.