كلام لأبي بكر الخوارزمي
قال أبو بكر الخوارزمي في كتاب له إلى جماعة الشيعة في نيسابور، لما قصدهم واليها محمد بن إبراهيم: «سمعت ـ أرشد اللّه سعيكم وجمع على التقوى أمركم ـ ما تكلّفكم به السّلطان الذي لا يحتمل إلا العدل، ولا يميل إلا على جانب الفضل، ولا يبالي بأن يمزق دينه إذا رفا دنياه، ولا يفكر في أن لا يقدّم رضا اللّه إذا وجد رضاه، وأنتم ونحن ـ أصلحنا اللّه وإياكم ـ عصابة لم يرض اللّه لنا الدنيا، فذخرنا للدار الأخرى، ورغب بنا عن ثواب العاجل فأعدّ لنا ثواب الأجل، وقسّمنا قسمين: قسماً مات شهيداً، وقسماً عاش شديداً، فالحيّ يحسد الميت على ما صار إليه، ولا يرغب بنفسه عما جرى عليه.
قال أمير المؤمنين ويعسوب الدين عليه السلام: المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء إلى الحدور.
وهذه مقالة أسّست على المحن، وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن، فحياة أهلها نغص، وقلوبهم حشوها غصص، والأيام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة، فإذا كنّا شيعة أئمتنا في الفرائض والسنن، ومتّبعي آثارهم في ترك كلّ قبيح وفعل حسن، فينبغي أن نتّبع آثارهم في المحن.
غصبت سيدتنا فاطمة عليها السلام وعلى آلها ميراث أبيها عليها السلام سرّاً.
وقتل أخوه عليه السلام جهراً.
وصلب زيد بن علي بالكناسة.
وقطع رأس زيد بن علي في المعركة(1).
وقتل ابناه محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي.
ومات موسى بن جعفر في حبس هارون، وسُمَّ علي بن موسى بيد المأمون.
وهزم إدريس بفخ حتى وقع إلى الأندلس فريداً.
ومات عيسى بن زيد طريداً شريداً.
وقتل يحيى بن عبد اللّه بعد الأمان والإيمان وبعد توكيد العهود والضمان.
هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلويّة طبرستان، وغير قتل محمد بن زيد والحسن بن القاسم الداعي على أيدي آل ساسان، وغير ما صنعه أبو السيّاح في علويّة المدينة، حملهم بلا عطاء ولا وطاء من الحجاز إلى سامراء، وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن علي حين أخذه بابويه، وقد ستر نفسه ووارى شخصه، يصانع حياته ويدافع وفاته، ولا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصة، وما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية الكوفة كافة.
وبحسبكم أنه ليست في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي تربة، تشارك في قتله الأموي والعباسي، وأطبق عليهم العدناني والقحطاني.
فليس حي من الأحياء نعرفه *** من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهـم شـركاء في دمائهم *** كما تشارك أيسار على جزر
قادتهم الحميّة إلى المنيّة، وكرهوا عيش الذلّة، فماتوا موت العزة، ووثقوا بما لهم في الدار الباقية، فسخت نفوسهم عن هذه الفانية.
داس عثمان بن عفان بطن عمّار بن ياسر بالمدينة، ونفى أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وأشخص عامر بن عبد قيس التميمي، وغرّب الأشتر النخعي وعدي بن حاتم الطائي، وسير عمر بن زرارة إلى الشام، ونفى كميل بن زياد إلى العراق، وجفا أبي بن كعب وأقصاه، وعادى محمد بن حذيفة وناواه، وعمل في دم محمد بن سالم ما عمل، وفعل مع كعب ذي الحطبة ما فعل.
واتبعه في سيرته بنو أمية، يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم، لا يحظون المهاجري، ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون اللّه، ولا يحتشمون الناس، قد اتخذوا عباد اللّه خولاً، ومال اللّه دولاً، يهدمون الكعبة، ويستعبدون الصّحابة، ويعطّلون الصّلاة الموقوتة، ويحطّمون أعناق الأحرار، ويسيرون في حرم الرسول سيرتهم في حرم الكفار، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضّلالة عن كلالة!
قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الإيمان المؤكدة والمواثيق المغلظة.
وقتل زياد بن سمية الألوف من شيعة الكوفة وشيعة البصرة صبراً، وأوسعهم سبياً وأسراً، حتى قبض اللّه معاوية على أسوء أعماله، وختم عمره بشرّ أحواله.
فاتّبعه ابنه، يجهز على جرحاه ويقتل أبناء قتلاه، إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي ومسلم بن عقيل الهاشمي أوّلاً، وعقب بالحرّ بن زياد الرياحي، وبأبي موسى عمرو بن قرطة الأنصاري، وحبيب بن مظاهر الأسدي، وسعيد بن عبد اللّه الحنفي، ونافع بن هلال البجلي، وحنظلة بن سعد الشافي، وعباس بن أبي شبيب الشاكري، في نيف وسبعين من جماعة شيعة الحسين عليه السلام يوم كربلاء ثانياً.
ثم سلّط عليهم الدعيّ ابن الدعيّ عبيد اللّه بن زياد، يصلبهم على جذوع النخل ويقتلهم ألوان القتل، حتى اجتث اللّه دابره ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك، عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك.
فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد اللّه أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا، ويغسل عنهم وضي ما اجترحوا، فصمدوا صمود الفئة الباغية، وطلبوا دم الشهيد من ابن الزانية، لا يزيدهم قلّة عددهم وانقطاع مددهم وكثرة سواد أهل الكوفة بإزائهم، إلا إقداماً على القتل والقتال، وسخاء بالنفوس والأموال، حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، وعبد اللّه بن واصل التميمي، في رجال من خيار المؤمنين وعلية التابعين، ومصابيح الأنام وفرسان الإسلام.
ثم تسلّط ابن الزبير على الحجاز والعراق، فقتل المختار، بعد أن شفى الأوتار، وأدرك الثار، وأفنى الأشرار، وطلب بدم المظلوم الغريب، فقتل قاتله، ونفى خاذله، واتبعوه أبا عمر بن كيسان، وأحمر بن شميط، ورفاعة بن يزيد، والسائب بن مال، وعبد اللّه بن كامل، وتلقطوا بقايا الشيعة، يمثلون بهم كل مثلة، ويقتلونهم شرّ قتلة، حتى طهّر اللّه من عبد اللّه بن الزبير البلاد، وأراح من أخيه مصعب العباد، فقتلهما عبد الملك بن مروان (وَكَذَلِكَ نُوَلِي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) بعدما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وأراد إحراقه، ونفى عبد اللّه بن العباس وأكثر إرهاقه.
فلما خلت البلاد لآل مروان، سلّطوا الحَجَّاج على الحجازيين، ثم على العراقيين، فتلعّب بالهاشميين، وأخاف الفاطميين، وقتل شيعة علي، ومحا آثار بيت النبي، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي.
واتصل البلاء مدّة ملك المروانية إلى الأيام العباسية، حتى إذا أراد اللّه أن يختم مدّتهم بأكثر آثامهم، ويجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم، بعث على بقية الحق المهمل والدّين المعطّل زيد بن علي، فخذله منافقوا أهل العراق، وقتله أحزاب أهل الشام، وقتل معه من شيعته: نصر بن خزيمة الأسدي، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري، وجماعة من شايعه وتابعه، وحتى من زوَّجه وأدناه، وحتى من كلَّمه وأثناه.
فلما انتهكوا ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الإثم العظيم، غضب اللّه عليهم وأنزع الملك منهم، فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم، فنظر ـ لا نظر اللّه إليه ـ إلى صلابة العلوية وإلى لين العباسية، فترك تقاه واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، وافتتح عمله بقتل عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، وسلط طواغيت خراسان، وخوارج بجستان، وأكراد إصفهان على آل أبي طالب، يقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، ويطلبهم في كلّ سهل وجبل، حتى سلّط عليه أحب الناس إليه، فقتل كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط اللّه برضاه وأن ركب ما يهواه.
وحلت من الدوانيقي الدنيا، فخبط فيها عسفاً وتقصى فيها جوراً وحيفاً، إلى أن مات وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة ومعدن الطيب والطهارة، قد تتبع غائبهم وتلقّط حاضرهم، حتى قتل عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه الحسيني بالسند، على يد عمر بن هشام بن عمر التغلبي، فما ظنّك بمن قرب تناوله عليه ولامسه على يديه.
وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم، فقد عرفتم ما توجّه على الحسين بن علي بفخ من موسى، وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي، وعلى القاسم بن علي الحسيني من حبسه، وعلى علي بن غسّان الخزاعي حين أخذ من قبله.
بالجملة: إن هارون مات وقد قصَّر شجرة النبوة واقتلع غرس الإمامة.
وأنتم أصلحكم اللّه لستم أعظم نصيباً في الدّين من الأعمش فقد أخافوه، ومن علي بن يقطين فقد اتهموه.
فأمّا في الصّدر الأول، فقد قتل زيد بن صوحان العبدي، وعوقب عثمان بن حنيف الأنصاري، وأقصي حارثة بن قدامة السعدي، وجندب بن زهير الأزدي، وشريح بن هاني المرادي، ومالك بن كعب الأرحبي، ومعقل بن قيس الرياحي، والحارث الأعور الهمداني، وأبو الطفيل الكناني، وما فيهم إلا من خرّ على وجهه قتيلاً أو عاش في بيته ذليلاً، يسمع شتمة الوصي فلا ينكر، ويرى قتلة الأوصياء وأولادهم فلا يغير، ولا يخفى عليكم حرج عامتهم وحيرتهم، كجابر الجعفي، وكرشيد الهجري، وكزرارة بن أعين، ليس إلا أنهم ـ رحمهم اللّه ـ يتولّون أولياء اللّه ويتبرؤون من أعداء اللّه، وكفى به جرماً عظيماً عندهم وعيباً كبيراً بينهم.
وقُل في بني العباس، فإنك ستجد بحمد اللّه تعالى مقالاً، وجُلْ في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالاً، يجبى فيئهم فيفرّق على الديلمي والتركي، ويحمل إلى المغربي والفرغاني، يموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات المصطفى، فلا تتبع جنازته ولا تجصّص مقبرته، ويموت ضرّاط لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب، فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عند القوّاد والولاة، وسلم فيهم من يعرفونه دهرياً أو سوفسطائياً، ولا يتعرّضون لمن يدرس كتاباً فلسفياً ومانوياً، ويقتلون من عرفوه شيعياً، ويسفكون دم من سمى ابنه علياً.
ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت عليهم السّلام غير المعلّى بن خنيس قتيل داود بن علي، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي، لكان ذلك جرحاً لا يبرأ، ونائرة لا تطفأ، وصدعاً لا يلتئم، وجرحاً لا يلتحم!
وكفاهم أن شعراء قريش قالوا في الجاهليّة أشعاراً يهجون بها أمير المؤمنين عليه السلام ويعارضون فيها أشعار المسلمين، فحملت أشعارهم ودوّنت أخبارهم، وروتها الرواة مثل الواقدي، ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي، والشرفي بن قطامي، والهيثم بن عدي ودأب بن الكناني!
وإن بعض شعراء الشيعة يتكلّم في ذكر مناقب الوصي، بل في ذكر معجزات النبي صلّى اللّه عليه وآله فيقطع لسانه، ويمزّق ديوانه، كما فعل بعبد اللّه بن عمار البرقي، وكما دمّر على دعبل بن علي الخزاعي، مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي، ليس إلا لغلوّهما في النصب، واستيجابهما مقت الرب.
حتى أن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكّل على الشيطان لا على الرحمن، كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالاً إلا لمن شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب، مثل عبد اللّه بن مصعب الزبيري، ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي، ومن الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي. فأمّا في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد اللّه الزبيري، وأبي السمط بن أبي الجون الأموي، وابن أبي الشوارب العبشمي.
ونحن أرشدكم اللّه، قد تمسّكنا بالعروة الوثقى، وآثرنا الدّين على الدنيا، وليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا، ولن يحلّ لنا عقيدة نقصان من نقص منّا، إن الإسلام بدء غريباً وسيعود كما بدء. كلمة من اللّه ووصية من رسول اللّه، إن الأرض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. ومن اليوم غد وبعد السبت أحد، قال عمار بن ياسر رحمه اللّه يوم صفين: لو ضربونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل.
ولقد هزم جيش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم هزم، ولقد تأخر أمر الإسلام ثم تقدم (اَلَمِ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ولولا محنة المؤمنين وقلّتهم، ودولة الكافرين وكثرتهم، لما امتلأت جهنم حتى تقول هل من مزيد، ولما قال اللّه تعالى (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولما تبين الجزوع من الصبور ولا عرف الشكور من الكفور، ولما استحق المطيع الأجر، ولا احتقب العاصي الوزر. فإن أصابتنا نكبة فذلك ما تعوّدناه، وإن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه، وعندنا بحمد اللّه تعالى لكلّ حالة آلة، ولكلّ مقامة مقالة، فعند العسر الصبر، وعند النعم الشكر.
ولقد شتم أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ألف شهر، فما شككنا في وصيته، وكذّب محمد صلّى اللّه عليه وآله بضع عشرة سنة فما اتهمناه في نبوته، وعاش إبليس مدة على المدد فلم نرتب في لعنته، وابتلينا بفترة الحق ونحن مستيقنون بدولته، ودفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام والرضا بعد الرضا ولا مرية عندنا في صحة إمامته (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً)، (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)، (كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)، (وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ)، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين).
اعلموا رحمكم اللّه، إن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن وأتباع الطاغوت والشيطان، جهدوا في دفن محاسن الوصي، واستأجروا من كذب في الأحاديث على النبي صلّى اللّه عليه وآله، وحوّلوا الجوار إلى بيت المقدس عن المدينة، والخلافة زعموا إلى دمشق عن الكوفة، وبذلوا في طمس هذا الأمر الأموال وقلّدوا عليه الأعمال، واصطنعوا فيه الرجال، فما قدروا على دفن حديث من أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولا على تحريف آية من كتاب اللّه تعالى، ولا على دسّ أحد من أعداء اللّه في أولياء اللّه.
ولقد كان ينادى على رؤوسهم بفضائل العترة، ويُبكِّتُ بعضهم بعضاً بالدليل والحجة، لا تنفع في ذلك عيبة، ولا يمنع منه رغبة ولا رهبة، والحق عزيز وإن استذلّ أهله، وكثير وإن قلّ حزبه، والباطل وإن رصِّع بالشبه قبيح، وذليل وإن غطّي وجهه بكلّ مليح. قال عبد الرحمن بن الحكم وهو من أنفس بني أمية:
سميّة أمسى نسلها عدد الحصا *** وبنت رسول اللّه ليس لها نسل
غيره:
لعن اللّه من يسبّ عليّاً *** وحسيناً من سوقة وإمام
وقال أبو دهبل الجمحي، في حمية سلطان بني أمية وولاية آل بني سفيان:
تبيت السكارى من أمية نوَّماً *** وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وقال الكميت بن زيد، وهو جار خالد بن عبد اللّه القسري:
فقل النبي أمية حيث حلّوا *** وإن خفت المهنّد والقطيعا
أجاع اللّه من أشبعتموه *** وأشبع من بجواركم أجيعا
وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن كرهوه، وبتفضيل من نقصوه وقتلوه، قال المنصور بن الزبرقان على بساط هارون:
آل النبي ومن يحبّهم *** يتطامنون مخافة القتل
أمن النصارى واليهود وهم *** من أمة التوحيد في الأزل
وقال دعبل بن علي، وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم:
ألم تر أني مذ ثمانين حجة *** أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فـيئهم في غيرهم متقسّماً *** وأيديهم من فيئهم صفرات
وقال علي بن العباس الرومي، وهو مولى المعتصم:
تألَّيت أن لا يبرح المرء منكم *** يُتَلُّ عـلى خرِّ الجبين فيعفجُ
كـذاك بنو العباس تصبرُ منكم *** ويصبر للسيف الكميُّ المدجَّجُ
بكل أوان للنبيِّ محمد *** قتيلٌ زكيٌّ بالدماء مضرَّجُ
وقال إبراهيم بن العباس الصولي، وهو كاتب القوم وعاملهم، في الرضا لما قرّبه المأمون:
يمنّ عليكم بأموالكم *** وتعطون من مائة واحداً؟!
وكيف لا ينقصون قوماً يقتلون بني عمهم جوعاً وسغباً، ويملؤون ديار الترك والديلم فضة وذهباً؟!
يستنصرون المغربي والفرغاني، ويجفون المهاجري والأنصاري، ويولّون أنباط السواد وزارتهم، وقلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم وفئ جدّهم؟
يشتهي العلوي الأكلة فيحرمها، ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى أبي مريم المديني، وإلى إبراهيم الموصلي، وابن جامع السهمي، وإلى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، وأقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وجاري بغا التركي والأفشين الأشروسي كفاية أمة ذات عدد.
والمتوكل، زعموا يتسرّى باثني عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت بزنجية وسندية، وصفوة مال الخراج مقصورة على أرزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخانثة، وعلى طعمة الكلابين، ورسوم القرَّادين، وعلى مخارق وعلوبة المغني، وعلى زرزد وعمر بن بانة الملهِّي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دانق وحبَّة، ويشترون العوَّادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر، والقوم الذين أحلّ لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبّة، يتكففون ضرّاً ويهلكون فقراً، وليرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيئه، وجدّه النبي، وأبوه الوصي، وأمّه فاطمة، وجدّته خديجة، ومذهبه الإيمان، وإمامه القرآن» إلى آخر ما أفاد وأجاد(2).
(1) كذا في المطبوعة في الهند وبيروت.
(2) رسائل أبي بكر الخوارزمي، المتوفى: 393، وتوجد ترجمته في كافة المصادر التاريخية.