قولهم: النّبي لم ينص على أحد
قال قدس سره: وأن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم ينصّ على إمام بينهم.
الشرح:
أجاب ابن تيميّة: «ليس هذا قول جميعهم، بل قد ذهبت طوائف من أهل السنّة إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص»(1).
أقول: هذا كذب، فإن ما ذكر العلاّمة قول جميعهم ـ إلا البكريّة، ولا عبرة بهم; لأنهم شرذمة شاذّة تعصّبوا لأبي بكر، واختلقوا في فضله وخلافته النصوص كما ستعرف ـ ففي المواقف وشرحها: «والإمام الحقّ بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله أبو بكر، ثبتت إمامته بالإجماع وإن توقّف فيه بعضهم… ولم ينصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على أحد، خلافاً للبكريّة، فأنهم زعموا النص على أبي بكر، وللشيعة، فإنّهم يزعمون النص على علي كرّم اللّه وجهه، إمّا نصاً جليّاً وإما نصاً خفيّاً. والحقّ عند الجمهور نفيهما»(2)، وبه اعترف أهل الحديث كالمناوي(3).
فقوله: «ليس هذا قول جميعهم بل قد ذهبت طوائف…» كذب. نعم هو مذهب البكريّة، لكن النصّ الذي يزعمونه من وضعهم ولا أصل له عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، قال الحافظ ابن الجوزي: «قد تعصّب قوم لا خلاق لهم يدّعون التمسك بالسنّة، فوضعوا لأبي بكر فضائل»(4)، وهؤلاء هم (البكريّة) بالتحديد كما في كلام ابن أبي الحديد، قال:
«فلمّا رأت البكريّة ما صنعت الشيعة، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: (لو كنت متخذاً خليلاً)، فإنّهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء. ونحو: (سدّ الأبواب)، فإنه كان لعلي عليه السلام فقلبته البكريّة إلى أبي بكر. ونحو: (إيتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان، ثم قال: يأبى اللّه والمسلمون إلاّ أبا بكر)، فإنّهم وضعوه في مقابلة الحديث المرويّ عنه في مرضه: (إيتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبداً، فاختلفوا عنده، وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب اللّه). ونحو حديث: (أنا راض عنك فهل أنت عنّي راض؟)، ونحو ذلك»(5).
ولا يخفى أن هذه الأحاديث هي النصوص التي ربّما يستدلّون بها على خلافة أبي بكر، ثم يذعنون بعدم اعتبارها سنداً أو سنداً ودلالة، ومنها حديث: «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» حيث استدلّ به في بعض كتب الأصوليين، وقد نصّ غير واحد من محققيهم ـ كالبزار وابن حزم والعبري والحفيد ـ على أنه موضوع.. وقد حقّقنا ذلك في رسالة مفردة جيّدة، طبعت ـ والحمد للّه ـ في كتابنا (الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة).
(1) منهاج السنّة 1 / 486.
(2) شرح المواقف 8 / 354.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 / 72.
(4) الموضوعات 1 / 303.
(5) شرح نهج البلاغة 11 / 49.