الوجه الخامس
إن الإمامية لم يذهبوا إلى التعصّب في غير الحق، فقد ذكر الغزالي والمتولي وكانا إمامين للشافعية: أن تسطيح القبور هي المشروع، لكن لمّا جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه إلى التسنيم!
وذكر الزمخشري ـ وكان من أئمة الحنفية ـ في تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)، أنه يجوز بمقتضى هذه الآية أن يصلّى على آحاد المسلمين، لكن لمّا اتخذت الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه!
وقال مصنف الهداية من الحنفية: المشروع التختم في اليمين، لكن لمّا اتخذته الرافضة عادةً جعلنا التختم في اليسار! وأمثال ذلك كثير! فانظر إلى من يغيِّر الشريعة ويبدِّل الأحكام التي ورد بها حديث النبي صلّى اللّه عليه وآله، ويذهب إلى ضدّ الصّواب معاندةً لقوم معيّنين، هل يجوز اتّباعه والمصير إلى أقواله؟
مع أنهم ابتدعوا أشياء اعترفوا بأنها بدعة وأن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة فإن مصيرها إلى النار». وقال صلّى اللّه عليه وآله: «من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ عليه». ولو رُدُّوا عنها كرهته نفوسهم ونفرت قلوبهم:
كذكر الخلفاء في خطبتهم، مع أنه بالإجماع لم يكن في زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين، ولا في زمن بني أمية ولا في صدر ولاية العباسيين! بل هو شيء أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية فقال: واللّه لأرغمنّ أنفي وأنوفهم وأرفع عليهم بني تيم وعدي! وذَكَرَ الصحابة في خطبته. واستمرت هذه البدعة إلى هذا الزمان!
وكمسح الرجلين الذي نصّ عليه اللّه تعالى في كتابه العزيز، فقال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)، قال ابن عباس: عضوان مغسولان وعضوان ممسوحان. فغيَّروه وأوجبوا الغسل!
وكالمتْعَتين اللّتين ورد بهما القرآن، فقال في متعة الحج: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَااسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). وتأسَّف النبي صلّى اللّه عليه وآله على فواتها لمّا حج قارناً وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي». وقال في متعة النساء: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ). واستمرَّ فعلها مدةَ زمان النبي صلّى اللّه عليه وآله، ومدة خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر، إلى أن صعد المنبر وقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما!
ومنع أبو بكر فاطمة عليها السلام إرثها فقالت له: «يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي»! والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها وكان هو الغريم لها، لأن الصدقة تحلّ له: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، على ما رووه عنه! والقرآن يخالف ذلك لأن اللّه تعالى قال: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)، ولم يجعل اللّه تعالى ذلك خاصاً بالأمة دونه صلّى اللّه عليه وآله. وكذَّب روايتهم فقال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ). وقال تعالى عن زكريا: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ).
ولما ذكرت فاطمة عليها السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهبها فدكاً قال لها: هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك! فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك فقال: امرأة لا يقبل قولها! وقد رووا جميعاً أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة». فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فشهد لها فقال: هذا بعلك يجرّه إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك! وقد رووا جميعاً أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»! فغضبت فاطمة عليها السلام عند ذلك وانصرفت وحلفت أن لا تكلّمه ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشكو إليه.
فلما حضرتها الوفاة أوصت عليّاً أن يدفنها ليلاً، ولا يدع أحداً منهم يصلّي عليها، وقد رووا جميعاً أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «يا فاطمة إن اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك». ورووا جميعاً أنه صلّى اللّه عليه وآله قال: «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه»!
ولو كان هذا الخبر حقّاً لما جاز له ترك البغلة التي خلّفها النبي صلّى اللّه عليه وآله، وسيفه وعمامته عند أمير المؤمنين عليه السلام، ولما حكم بها له لما ادّعاها العباس! ولكان أهل البيت الذين طهّرهم اللّه تعالى في كتابه عن الرجس عليهم السّلام مرتكبين ما لا يجوز، لأن الصدقة عليهم محرمة.
وبعد ذلك، جاء إليه مال البحرين وعنده جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال له: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال لي: إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثم حثوت لك ثلاثاً، فقال له: تقدم فخذ بعدّتها، فأخذ من مال بيت المسلمين من غير بيّنة، بل لمجرّد الدّعوى.
وقد روت الجماعة كلّهم أن النبي قال في حق أبي ذر: «ما أقلَّت الغبراء ولا أظلَّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»، ولم يسمّوه صدِّيقاً وسمّوا أبابكر بذلك، مع أنه لم يرو مثل ذلك في حقه!
وسمّوه خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يستخلفه في حياته، ولا بعد وفاته عندهم! ولم يُسَمُّوا أمير المؤمنين عليه السلام خليفة رسول اللّه مع أنه استخلفه في عدة مواطن، منها أنه استخلفه على المدينة في غزاة تبوك وقال له: «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».
وأمَّر أسامة على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر ومات ولم يعزله، ولم يسمّوه خليفة! ولما تولّى أبو بكر غضب أسامة وقال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمَّرني عليك فمن استخلفك علىَّ؟ فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه، وكانا يسميّانه مدّة حياتهما أميراً.
وسمّوا عمر الفاروق ولم يسمّوا عليّاً عليه السلام بذلك، مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال فيه: «هذا فاروق أمتي يفرق بين الحق والباطل». وقال ابن عمر: «ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلاّ ببغضهم عليّاً».
وعظّموا أمر عائشة على باقي نسوانه، مع أنه صلّى اللّه عليه وآله كان يكثر من ذكر خديجة بنت خويلد وقالت له عائشة: إنك تكثر من ذكرها وقد أبدلك اللّه خيراً منها! فقال لها: «واللّه ما بُدِّلتُ بها من هو خير منها: صدقتني إذْ كذّبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وأسعدتني بمالها، ورزقني اللّه الولد منها ولم أرزق من غيرها!»
وأذاعت سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقال لها النبي صلّى اللّه عليه وآله: «إنك تقاتلين علياً وأنت ظالمة».
ثم إنها خالفت أمر اللّه تعالى في قوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)، وخرجت في ملأ من الناس تقاتل علياً عليه السلام على غير ذنب، لأن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان وكانت هي كلَّ وقت تأمر بقتله وتقول: أقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً، فلمّا بلغها قتله فرحت بذلك ثم سألت: من تولّى الخلافة؟ فقالوا: علي عليه السلام فخرجت لقتاله على دم عثمان! فأيّ ذنب كان لعلي عليه السلام على ذلك؟!
وكيف استجاز طلحة والزبير مطاوعتها على ذلك؟ وبأيّ وجه يلقون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع أن الواحد منّا لو تحدّث مع امرأة غيره وأخرجها من منزله وسافر بها، كان أشدّ الناس عداوة له. وكيف أطاعها على ذلك عشرات الألوف من المسلمين وساعدوها على حرب أمير المؤمنين عليه السلام، ولم ينصر أحدٌ منهم بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لمّا طلبت حقها من أبي بكر، ولا شخصٌ واحد بكلمة واحدة!
وسمّوها أم المؤمنين ولم يسمّوا غيرها بذلك!
ولم يسمّوا أخاها محمد بن أبي بكر مع عظم شأنه وقرب منزلته من أبيه ومن أخته عائشة أم المؤمنين، خالَ المؤمنين، وسمّوا معاوية بن أبي سفيان خالَ المؤمنين، لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان بعض زوجات النبي صلّى اللّه عليه وآله! وأخت محمد بن أبي بكر وأبوه أعظم عندهم من أخت معاوية ومن أبيها! مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعن معاوية الطّليق بن الطليق اللّعين وقال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه! وكان من المؤلّفة قلوبهم، وقاتل عليّاً وهو عندهم رابع الخلفاء إمامُ حق، وكلّ من حارب إمام حق فهو باغ ظالم! وسبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر لعلي عليه السلام ومفارقته لأبيه وبغض معاوية لعلي ومحاربته له.
وسمّوه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي بل كان يكتب له رسائل، وقد كان بين يدي النبي صلّى اللّه عليه وآله أربعة عشر نفساً يكتبون الوحي، أوّلهم وأخّصهم به وأقربهم إليه علي بن أبي طالب عليه السلام.
مع أن معاوية لم يزل مشركاً مدّة كون النبي صلّى اللّه عليه وآله مبعوثاً يكذب بالوحي ويهزأ بالشرع! وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيّره بإسلامه، ويقول له: أصبوت إلى دين محمد، وكتب إليه:
يا صخرُ لا تُسلمنْ طوعاً فتفضحنا *** بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا
جدّي وخالي وعمّ الأم ثالثهم *** قوماً وحنظلة المهدي لنا الأرقا
فالموتُ أهون من قول الوشاة *** لنا خلّى ابن هند عن العزّى فرقا
والفتح كان في شهر رمضان لثمان سنين من قدوم النبي صلّى اللّه عليه وآله المدينة، ومعاوية حينئذ مقيمٌ على الشرك، هاربٌ من النبي صلّى اللّه عليه وآله لأنه قد هدر دمه فهرب إلى مكة، فلمّا لم يجد له مأوىً صار إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله مضطراً فأظهر الإسلام.
وكان إسلامه قبل موت النبي صلّى اللّه عليه وآله بخمسة أشهر، وطرح نفسه على العباس فسأل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فعفا عنه ثم شفع إليه أن يشرّفه ويضيفه إلى جملة الكتّاب، فأجابه وجعله واحداً من أربعة عشر. فكم كان يخصّه من الكتابة في هذه المدة لو سلّمنا أنه كان كاتب الوحي، حتى استحق أن يوصف بذلك دون غيره!
مع أن الزمخشري من مشايخ الحنفية ذكر في ربيع الأبرار أنه ادّعى بنوَّته أربعة نفر!
على أن من جملة كتبة الوحي ابن أبي سرح وارتدّ مشركاً وفيه نزل: (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وقد روى عبد اللّه بن عمر قال: أتيت النبي صلّى اللّه عليه وآله فسمعته يقول: «يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي!» فطلع معاوية.
وقام النبي صلّى اللّه عليه وآله يوماً يخطب، فأخذ أبو سفيان بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: «لعن اللّه القائد والمقود! وأيُّ يوم يكون لهذه الأمة من معاوية ذي الإستاه؟!».
وبالغ في محاربة علي عليه السلام وقتل جمعاً كثيراً من خيار الصحابة، ولعنه على المنابر، واستمر سبّه مدة ثمانين سنة إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز.
وسمَّ الحسن.
وقتل ابنه يزيد مولانا الإمام الحسين.
وكسر جدّه ثنيّة النبي صلّى اللّه عليه وآله.
وأكلت أمّه كبد حمزة عم الرسول صلّى اللّه عليه وآله.
وسمّوا خالد بن الوليد سيف اللّه، عناداً لأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أحق بهذا الإسم حيث قتل بسيفه الكفار، وثبتت بواسطة جهاده قواعد الدين، وقال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: عليٌّ سيْفُ اللّه وسَهْمُ اللّه. وقال علي عليه السلام على المنبر: أنا سيف اللّه على أعدائه ورحمته لأوليائه.
وخالد لم يزل عدواً لرسول اللّه مكذباً له، وهو كان السبب في قتل المسلمين في يوم أحد وفي كسر رباعية النبي صلّى اللّه عليه وآله وقتل حمزة عمّه. ولما تظاهر بالإسلام بعثه النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى بني خزيمة ليأخذ منهم الصدقات فخانه وخالفه على أمره، وقتل المسلمين فقام النبي صلّى اللّه عليه وآله في أصحابه خطيباً بالإنكار عليه، رافعاً يديه إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه وهو يقول: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد! ثم أنفذ إليهم أمير المؤمنين عليه السلام لتلافي فارطته وأمره أن يسترضي القوم ففعل».
ولمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه وآله وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة، قتل منهم ألفاً ومائتي نفس مع تظاهرهم بالإسلام! وقتل مالك بن نويرة صبراً وهو مسلم، وعرَّس بامرأته! وسمّوا بني حنيفة أهل الردّة لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر لأنهم لم يعتقدوا إمامته! واستحلّ دماءهم وأموالهم ونساءهم حتى أنكر عمر عليه. فسمّوا مانع الزكاة مرتداً ولم يسمّوا من استحلّ دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه السلام مرتدّاً، مع أنهم سمعوا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «يا علي حربك حربي وسلمك سلمي». ومحارب رسول اللّه كافر بالإجماع.
وقد أحسن بعض العقلاء في قوله: شرٌّ من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعته وجرى معه في ميدان معصيته! ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة وكان يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة! ولما خلق اللّه تعالى آدم وجعله خليفة في الأرض وأمره بالسجود فاستكبر! فاستحق الطرد واللعن.
ومعاوية لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبي صلّى اللّه عليه وآله بمدة طويلة، ثم استكبر عن طاعة اللّه تعالى في نصب أمير المؤمنين عليه السلام إماماً وتابعه الكلّ بعد عثمان وجلس مكانه فكان شرّاً من إبليس!
وتمادى البعض في التعصّب حتى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية مع ما صدر عنه من الأفعال القبيحة، من قتل الإمام الحسين عليه السلام ونهب أمواله وسبي نسائه والدوران بهم في البلاد على الجمال بغير قتب، ومولانا زين العابدين عليه السلام مغلول اليدين! ولم يقنعوا بقتله عليه السلام حتى رضّوا أضلاعه وصدره بالخيول وحملوا رؤوسهم على القنا!
مع أن مشايخهم رووا أن يوم قتل الحسين عليه السلام قطرت السماء دماً!
وقد ذكر الرافعي في شرح الوجيز وذكر ابن سعد في الطبقات أن الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين عليه السلام ولم تر قبل ذلك!
وقال أيضاً: ما رفع حجر في الدنيا إلا وتحته الدم عبيط! ولقد مطرت السماء مطراً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت.
قال الزهري: ما بقي أحد من قاتلي الحسين إلا وعوقب في الدنيا، إما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة!
وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يكثر الوصية للمسلمين في ولديه الحسن والحسين عليهما السلام ويقول لهم: «هؤلاء وديعتي عندكم»، وأنزل اللّه تعالى فيهم: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
وتوقف جماعة ممن لا يقول بإمامته في لعنه! مع أنه عندهم ظالم بقتل الحسين ونهب حريمه، وقد قال اللّه تعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
وقال أبو الفرج بن الجوزي من شيوخ الحنابلة: عن ابن عباس قال: «أوحى اللّه تعالى إلى محمد صلّى اللّه عليه وآله إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وإني قاتل بابن بنتك فاطمة سبعين ألفاً وسبعين ألفاً!».
وحكى السدّي ـ وكان من فضلائهم ـ قال: نزلت بكربلاء ومعي طعام للتجارة فنزلنا على رجل فتعشينا عنده وتذاكرنا قتل الحسين وقلنا: ما شرك أحد في قتل الحسين إلا ومات أقبح موته! فقال الرجل: ما أكذبكم! أنا شركت في دمه وكنت فيمن قتله فما أصابني بشيء. قال: فما كان في آخر الليل إذا بالصياح! قلنا: ما الخبر؟ قالوا: قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت إصبعه، ثم دبّ الحريق في جسده فاحترق! قال السدّي: فأنا واللّه رأيته كأنه حِمَمَة!
وقد سأل مهنا بن يحيى أحمد بن حنبل عن يزيد فقال: هو الذي فعل ما فعل قلت: وما فعل؟ قال: نهب المدينة! وقال له صالح ولده يوماً: إن قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد فقال: يا بنىَّ وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن باللّه واليوم الآخر؟ فقلت: لم لا تلعنه؟ فقال: وكيف لا ألعن من لعنه اللّه في كتابه؟ فقلت: وأين لعن يزيد؟ فقال: في قوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ). فهل يكون فسادٌ أعظم من القتل.
ونَهَبَ المدينة ثلاثة أيام وسبى أهلها وقَتَل جمعاً من وجوه الناس فيها من قريش والأنصار والمهاجرين يبلغ عددهم سبعمائة؟ وقَتَل من لم يُعرف من عبد أو حرّ أو امرأة عشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء، حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وامتلأت الروضة والمسجد! ثم ضرب الكعبة بالمناجق وهدمها وأحرقها.
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم، له ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتن ريحه، وهو فيها خالد ذائق للعذاب الأليم، كلّها نضجت جلودهم بدّل اللّه لهم الجلود حتى يذوقوا العذاب لايفتر عنهم ساعة ويسقى من حميم جهنم، الويل لهم من عذاب اللّه عز وجل». وقال صلّى اللّه عليه وآله: «اشتدّ غضب اللّه تعالى وغضبي على من أهرق دمي وآذاني في عترتي».
فلينظر العاقل أي الفريقين أحق بالأمن: الذي نزّه اللّه تعالى وملائكته وأنبياءه وأئمته، ونزّهوا الشرع عن المسائل الردّية، ومن يبطل الصّلاة بإهمال الصّلاة على أئمتهم وبذكر أئمة غيرهم، أم الذي فعل ضدّ ذلك واعتقد خلافه؟
Menu