الوجه الثاني
قال قدس سره: الوجه الثاني في الدلالة على وجوب اتِّباع مذهب الإمامية: ما قاله شيخنا الإمام الأعظم خواجة نصير الملة والحق والدين محمد بن الحسن الطوسي قدس اللّه روحه… قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والباقي في النار»… .
الشرح:
استدلال النصير الطوسي
وهو المحقق العظيم، الفيلسوف المتكلّم الكبير، المجمع على فضله وتقدّمه في العلوم. له مصنفات جليلة. توفي سنة 672، وله تراجم حافلة في غير واحد من كتب التراجم. وقد ذكرنا طرفاً منها في (المدخل).
وهذا الحديث رواه المحدِّثون: كأحمد، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجة.
وذكره المؤلّفون في العقائد والفرق: كالعضد والشهرستاني.
وقد يدّعى تواتره، فقد حكى الشيخ محمد أبو زهرة عن العلاّمة المحدّث صالح بن مهدي المقبلي أنه قال في كتابه العلم الشامخ: «حديث افتراق الأمة إلى سبعين فرقة روايات كثيرة يعضد بعضها بعضاً، بحيث لا تبقى ريبة في حاصل معناه»(1).
قال قدس سره: وقد عيّن عليه السّلام الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متّفق عليه، وهو قوله عليه السلام: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف غرق».
فوجدنا الفرقة الناجية الإمامية، لأنهم باينوا جميع المذاهب.
وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد.
الشرح:
اعترض عليه ابن تيمية بعدّة صفحات(2) مملوءة بالتكفير والسبّ والشتم للطّوسي والعلاّمة وعامة الإمامية! فإنه بعد أن زعم أن الطوسي كافر قال: «والكافر لا يقبل قوله في دين المسلمين» ثم ذكر: «أنه كان وزير الملاحدة الباطنية الإسماعيليّة بالألويت، ثم لما قدم الترك المشركون وهولاكو أشار عليه بقتل الخليفة، وبقتل أهل العلم والدّين».
قال: «والمشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الإسلام ومحرّماته، ولا يحافظون على الفرائض كالصّلاة، ولا ينزعون عن محارم اللّه، من الخمر والفواحش وغير ذلك من المنكرات».
ثم قال: «ومع هذا، فقد قيل: إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات، ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد، فاللّه يقبل التوبة…».
قال: «لكن ما ذكره عنه هذا، إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله، وإن كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض بل من الإلحاد وحده، وعلى التقديرين، فلا يقبل قوله. والأظهر أنه إنما كان يجتمع به وبأمثاله لمّا كان منجِّماً للمغول المشركين، والإلحاد معروف من حاله إذ ذاك.
فمن يقدح في مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، ويطعن على مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأتباعهم، ويعيِّرهم بغلطات بعضهم في مثل إباحة الشطرنج والغناء، كيف يليق به أن يحتج لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله، ولا يدينون دين الحق، ويستحلّون المحرّمات المجمع على تحريمها، كالفواحش والخمر في مثل شهر رمضان، الذين أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشهوات، وخرقوا سياج الشرائع واستخفوا بحرمات الدين وسلكوا غير طريق المؤمنين».
قال: «ومن العجب أن هذا المصنف الرافضي الكذاب المفتري، يذكر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر السابقين والتابعين وسائر أئمة المسلمين من أهل العلم والدّين بالعظائم التي يفتريها عليهم هو وإخوانه، ويجئ إلى من قد اشتهر عند المسلمين محاربته للّه ورسوله يقول عنه: قال شيخنا الأعظم ويقول: قدس اللّه روحه، مع شهادته عليه بالكفر وعلى أمثاله، ومع لعنه طائفة من خيار المؤمنين من الأولين والآخرين».
«هؤلاء الإمامية أوتوا نصيباً من الكتاب، إذ كانوا مقرّين ببعض ما في الكتاب المنزل، وفيهم شعبة من الإيمان بالجبت والطاغوت والسحر وما يعبدون من دون اللّه، فإنهم يعظّمون الفلسفة المتضمّنة ذلك، ويرون الدعاء والعبادة للموتى واتخاذ المساجد على قبورهم، ويجعلون السفر إليها حجّاً له مناسك ويقولون مناسك حج المشاهد. وحدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إليها أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك باللّه أعظم من عبادة اللّه. وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت…».
«إنهم خارجون عن الفرقة الناجية، فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين، يكفّرون أو يفسّقون أئمة الجماعة، كأبي بكر وعمر وعثمان، دع معاوية وملوك بني أمية وبني العباس، وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء الجماعة وعبادهم، كمالك والثوري…».
أقول:
هذه جمل من الأشياء التي ذكرها الرجل في الاعتراض على هذا الوجه، وهي أكثر وأكثر… وفي كثير من المواضع ـ التي لم نذكر شيئاً عن الرجل في ذيل كلام العلاّمة رحمه اللّه ـ لا نجد إلا أمثال هذه الجمل، فإنما نقلنا هذه الجمل هنا ليعلم القارئ النبيه ذلك ولا يتعجّب من سكوتنا عليه، وليرى الفرق بين كلام الإماميّة وكلام غيرهم، فينصف ويتدبر ويتبع الحق وأهله!!
وتجد في (المدخل) بعض التفصيل.
وعلى الجملة، فإن مقتضى الجمع بين الحديثين المتفق عليهما بين الفريقين، هو ما ذكره الشيخ نصير الدين الطوسي، ومقابلة ذلك بالسبّ و الشتم دليل على العجز عن الجواب العلمي المقبول، فيتم مقصود العلاّمة قدس سرّه.
(1) المذاهب الإسلامية: 14.
(2) منهاج السنّة 3 / 445 ـ 455.