المطاعن في الجماعة
وأما المطاعن في الجماعة: فقد نقل أتباعهم الجمهور منها شيئاً كثيراً، حتى صنّف الكلبي كتاباً كلّه في مثالب الصحابة، ولم يذكر فيه منقصة واحدة لأهل البيت عليهم السّلام. وقد ذكر غيره منهم أشياء كثيرة، ونحن نذكر شيئاً يسيراً منها:
منها: ما رووه عن أبي بكر أنه قال على المنبر: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يعصم بالوحي وإن لي شيطاناً يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوّموني. وكيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه!
وقال: أقيلوني فلست بخيركم! فإن كانت إمامته حقاً كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن.
وقال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل، فيلزم تطرّق الطعن إلى عمر، وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما معاً!
وقال أبو بكر عند موته: ليتني كنت سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هل للأنصار في هذا الأمر حق؟ وهذا يدلّ على أنه في شك من إمامته ولم تقع صواباً.
وقال عند احتضاره: ليت أميّ لم تلدني! يا ليتني كنت تبنه في لبنة! مع أنهم نقلوا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه قال: ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة أو النار.
وقال أبو بكر: ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربت يدي على يد أحد الرجلين وكان هو الأمير وكنت الوزير! وهو يدلّ على أنه لم يكن صالحاً يرتضي نفسه للإمامة.
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مرض موته مرة بعد أخرى مكرّراً لذلك: أنفذوا جيش أسامة، لعن اللّه المتخلّف عن جيش أسامة! وكان الثلاثة معه. ومنع أبو بكر عمر من ذلك.
وأيضاً، لم يولّ النبي صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر عملاً البتة في وقته، بل ولّى عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى، ولمّا أنفده بسورة براءة ردّه بعد ثلاثة أيام بوحي من اللّه تعالى! وكيف يرتضي العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي صلّى اللّه عليه وآله بوحي من اللّه تعالى لأداء عشر آيات من براءة؟!
وقطع أبو بكر يسار سارق ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى!
وأحرق الفجاءة السلمي بالنار وقد نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله عن الإحراق بالنار وقال: لا يعذب بالنار إلا ربّ النار!
وخفي عليه أكثر أحكام الشريعة فلم يعرف حكم الكلالة، وقال: أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن اللّه وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
وقضى في الجدّ سبعين قضيّة وهو يدلّ على قصوره في العلم!
فأي نسبة له إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض؟! قال أبو البحتري: رأيت علياً عليه السلام صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول اللّه متقلّداً بسيف رسول اللّه متعمماً بعمامة رسول اللّه في إصبعه خاتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فقعد على المنبر وكشف عن بطنه فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، هذا ما زقّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله زقّاً من غير وحي أوحيَ إليَّ، فواللّه لو ثُنِيَتْ لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتى ينطق اللّه التوراة والإنجيل فتقول: صدق عليٌّ قد أفتاكم بما أنزل اللّه فيَّ، وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون؟!
وروى البيهقي في كتابه بإسناده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام». فأثبت له ما تفرّق فيهم.
قال أبو عمرو الزاهد: قال أبو العباس ثعلب: لا نعلم أحداً قال بعد نبيّه: سلوني من شيث إلى محمد صلّى اللّه عليه وآله إلا علياً، فسأله الأكابر: أبو بكر وعمر وأشباههما حتى انقطع السؤال، ثم قال بعد هذا كلّه: يا كميل بن زياد! إن هاهنا لعلماً جمّاً لو وجدت له حملة.
وأهمل أبو بكر حدود اللّه، فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حدّه حين قتل مالك بن نويرة وكان مسلماً وتزوّج امرأته من ليلة قتله وضاجعها! وأشار عليه عمر بقتله فلم يقبل!
وخالف أمر اللّه تعالى في توريث بنت النبي صلّى اللّه عليه وآله ومنعها فدكاً.
وتَسَمى بخليفة رسول اللّه من غير أن يستخلفه.
ومنها: ما رووه عن عمر: روى أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء: أنه لما احتضر قال: «يا ليتني كنت كبشاً لقومي فسمنّوني ما بدا لهم ثم جاءهم أحبّ قومهم إليهم فذبحوني، فجعلوا نصفي شواء ونصفي قديداً فأكلوني، فأكون عذرة ولا أكون بشراً»!! هل هذا إلا مساو لقول اللّه تعالى: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً)؟
وقال لابن عباس عند احتضاره: لو أن لي مل الأرض ذهباً ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطّلع! وهذا مثل قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جميعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ)!
فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضارهما، وقول علي عليه السلام: متى ألقاها، متى يبعث أشقاها، متى ألقى الأحبّة محمداً وحزبه؟وقوله حين قتل: فُزْتُ وَرَبِّ الكعبة!
وروى صاحب الجمع بين الصّحاح الستّة، من مسند ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال في مرض موته: «إئتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تضلّون به من بعدي، فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب اللّه! وكثر اللّغط فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: أخرجوا عني لا ينبغي التنازع لديَّ»! فقال ابن عباس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وقال عمر لمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: واللّه مامات محمد ولا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم! فلما نبّهه أبو بكر وتلا عليه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، وقوله: (فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ)، قال: كأني ما سمعت بهذه الآية.
ولمّا وعظت فاطمة عليه السلام أبا بكر في فدك كتب لها بها كتاباً ورودّها عليها فخرجت من عنده، فلقيها عمر فخرَّق الكتاب، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به.
وعطّل حدّ اللّه تعالى فلم يحد المغيرة بن شعبة.
وكان يعطي أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله من بيت المال أكثر مما ينبغي، فكان يعطي عائشة وحفصة في كلّ سنة عشرة آلاف درهم.
وغيَّر حكم اللّه تعالى في المتعتين.
وكان قليل المعرفة بالأحكام: أمر برجم حامل، فقال له علي عليه السلام: إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها. فأمسك، وقال: لولا على لهلك عمر.
وأمر برجم مجنونة، فقال له علي عليه السلام: إن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر.
وقال في خطبة له: من غالى في مهر امرأة جعلته في بيت المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعا ما أعطانا اللّه تعالى في كتابه حيث قال: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً)، فقال: كلٌّ أفقه من عمر حتى المخدّرات.
ولم يَحُدَّ قدامة بن مظعون في الخمر لأنه تلا عليه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا)، فقال له علي عليه السلام: ليس قدامة من أهل هذه الآية، وأمره بحدّه، فلم يدر كم يحدّه؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: حُدَّهُ ثمانين، إن شارب الخمر إذا شربها سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى.
وأرسل إلى حامل يستدعيها فأجهضت خوفاً، فقال له الصحابة: نراك مؤدّباً ولا شيء عليك، ثم سأل أمير المؤمنين عليه السلام فأوجب الدية على عاقلته.
وتنازعت امرأتان في طفل، فلم يعلم الحكم وفزع فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فاستدعى المرأتين ووعظهما فلم ترجعا، فقال عليه السلام: إئتوني بمنشار! فقالت المرأتان له: ما تصنع؟ قال: أقدّه نصفين تأخذ كلّ واحدة نصفاً، فرضيت إحداهما، وقالت الأخرى: اللّه اللّه يا أبا الحسن، إن كان لا بدّ من ذلك قد سمحت به لها، فقال عليه السلام: اللّه أكبر هو ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقّت عليه! فاعترفت الأخرى أن الحق مع صاحبتها، ففرح عمر ودعا لأمير المؤمنين عليه السلام.
وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فقال له علي عليه السلام: إن خاصمتك بكتاب اللّه خَصَمْتُك! إن اللّه تعالى يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)، فخلى سبيلها.
وكان يضطرب في الأحكام، فقضى في الجدّ بمائة قضيّة.
وكان يفضّل في الغنيمة والعطاء وأوجب اللّه تعالى التسوية.
وقال بالرأي والحدس والظن.
وجعل الأمر شورى من بعده وخالف فيه من تقدّمه، فإنه لم يفوّض الأمر فيه إلى اختيار الناس ولا نصّ على إمام بعده، بل تأسّف على سالم مولى حذيفة وقال: لو كان حيّاً لم يختلجني فيه شك! وأمير المؤمنين علي عليه السلام حاضر! وجمع في من يختار بين المفضول والفاضل ومن حق الفاضل التقدّم على المفضول، ثم طعن في كلّ واحد ممّن اختاره للشورى. وأظهر أنه يكره أن يتقلّد أمر المسلمين ميّتاً كما تقلّده حياً، ثم تقلّده بأن جعل الإمامة في ستة، ثم ناقض فجعلها في أربعة، ثم في ثلاثة ثم في واحد، فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الإختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور! ثم قال: إن اجتمع أمير المؤمنين وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن، لعلمه أن علياً وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأن عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه وهو عثمان وابن عمه! ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة ثلاثة أيام، مع أنهم عندهم من العشرة المبشّرة بالجنّة، وأمر بقتل من خالف الثلاثة الذين منهم عبد الرحمن، وكلّ ذلك مخالف للدّين. وقال لعلي عليه السلام: إن وليتها وليسوا فاعلين، لتركبنّهم على المحجة البيضاء، وفيه إشارة إلى أنهم لا يولّونه إياها. وقال لعثمان: إن وليتها لتركبن آل أبي معيط على رقاب الناس ولئن فعلت لتقتلن، وفيه إشارة إلى الأمر بقتله.
وأما عثمان، فإنه ولَّى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية حتى ظهر من بعضهم الفسوق ومن بعضهم الخيانة. وقسّم الولايات بين أقاربه وعوتب على ذلك مراراً فلم يرجع. واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر، وصلّى بالناس وهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة، فظهر منه ما أدّى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها. وولّى عبد اللّه بن أبي سرح مصر حتى تظلّم منه أهلها، وكاتبه أن يستمرّ على ولايته سرّاً خلاف ما كتب إليه جهراً، وأمره بقتل محمد بن أبي بكر.
وولّى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث. وولّى عبد اللّه بن عامر العراق ففعل من المناكير ما فعل. وولّى مروان أمره وألقى إليه مقاليد أموره ودفع إليه خاتمه، فحدث من ذلك قتل عثمان فحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث.
وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين، حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش زوّجهم بناته أربع مائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار.
وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفِّره، ولمّا علم ضربه حتى مات! وضرب عماراً حتى صار به فتق وقد قال فيه النبي صلّى اللّه عليه وآله: «عمار جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة»! وكان عمار يطعن عليه.
وطرد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الحكم بن أبي العاص عمّ عثمان عن المدينة ومعه ابنه مروان، فلم يزل طريداً هو وابنه في زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله وأبي بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه وردّه إلى المدينة وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره، مع أن اللّه تعالى قال: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ).
ونفى أبا ذر إلى الربذة وضربه ضرباً وجيعاً، مع أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال في حقه: «ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. وقال: إن اللّه تعالى أوحى إليّ أنه يحبّ أربعة من أصحابي وأمرني بحبّهم فقيل له: من هم يا رسول اللّه؟ قال: علي سيدهم وسلمان والمقداد وأبو ذر».
وضيَّع حدود اللّه، فلم يُقِدْ عبيد اللّه بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يطلب عبيد اللّه لإقامة القصاص عليه فلحق بمعاوية. وأراد أن يعطّل حد الشرب في الوليد بن عقبة حتى حدّه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لا يبطل حدُّ اللّه وأنا حاضر.
وزاد الأذان الثاني يوم الجمعة وهي بدعة وصار سنّة إلى الآن، وخالفه المسلمون كلّهم حتى قتل، وعابوا فعاله وقالوا له: غبت عن بدر وهربت يوم أحد ولم تشهد بيعة الرضوان! والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
وقد ذكر الشهرستاني ـ وهو أشدّ المبغضين للإمامية ـ : أن مثار الفساد بعد شبهة إبليس الإختلافات الواقعة في مرض النبي صلّى اللّه عليه وآله.
فأول تنازع وقع في مرضه فيما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال: لما اشتدّ بالنبي مرضه الذي توفي فيه قال: «إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي فقال عمر: إن صاحبكم ليهجر حسبنا كتاب اللّه! وكثر اللّغط فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: قوموا عني لاينبغي عندي التنازع».
والخلاف الثاني في مرضه صلّى اللّه عليه وآله: أنه قال: جهّزوا جيش أسامة، لعن اللّه من تخلّف عنه. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز عن المدينة، وقال قوم: اشتد مرضه ولا يسع قلوبنا المفارقة.
والثالث في موته صلّى اللّه عليه وآله. قال عمر: من قال أن محمّداً قد مات قتلته بسيفي هذا، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم. وقال أبو بكر: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد إله محمد فإنه حي لا يموت.
الرابع في الإمامة: وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة: إذْ ما سُلَّ سيفٌ في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سُلَّ على الإمامة، في كلّ زمان، واختلف المهاجرون والأنصار فقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري، فاستدرك عمر وأبو بكر بأن حضرا سقيفة بني ساعدة، ومدّ عمر يده إلى أبي بكر فبايعه فبايعه الناس. وقال عمر: إنما كانت فلتةً وقى اللّه شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه! وأمير المؤمنين عليه السلام مشغول بما أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله من دفنه وتجهيزه وملازمة قبره وتخلّف هو وجماعة عن البيعة.
الخامس في فدك والتوارث عن النبي صلّى اللّه عليه وآله: دفعها أبو بكر بروايته عن النبي: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
والسادس في قتال مانعي الزكاة، فقاتلهم أبو بكر واجتهد عمر في أيام خلافته فرد السبايا والأموال إليهم وأطلق المحبوسين.
السابع في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة: فمن الناس من قال: ولّيت علينا فظاً غليظاً.
الثامن في أمر الشورى: واتفقوا بعد الإختلاف على إمامة عثمان. ووقعت اختلافات كثيرة: منها: رده الحَكَم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول اللّه وكان يسمّى طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً.
ومنها: نفيه أبا ذر إلى الربذة، وتزويجه مروان بن الحكم ابنته، وتسليمه خمس غنائم أفريقية له، وقد بلغت مائتي ألف دينار.
ومنها: إيواؤه عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبي صلّى اللّه عليه وآله دمه وتوليته إياه مصر، وتوليته عبد اللّه بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث. وكان أمراء جنوده: معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، وسعيد بن العاص عامل الكوفة، وبعده عبد اللّه بن عامر، والوليد بن عقبة عامل البصرة.
التاسع في زمن أمير المؤمنين عليه السلام بعد الإتفاق عليه وعقد البيعة له، فأوّلها خروج طلحة والزبير إلى مكة، ثم حمل عائشة إلى البصرة، ثم نصب القتال معه ويعرف ذلك بحرب الجمل. والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين، ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري. وكذا الخلاف بينه وبين الشراة المارقين بالنهروان.
وبالجملة: كان عليٌّ مع الحق والحق مع علي عليه السلام. وظهر في زمانه الخوارج عليه مثل الأشعث بن قيس، ومسعود بن مذكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي وغيرهم. وظهر في زمانه الغلاة كعبد اللّه بن سبأ، ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة، وصدق فيه قول النبي صلّى اللّه عليه وآله: «يهلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال».
فانظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل، هل خرج موجب الفتنة عن المشائخ، أو تعدّاهم؟!
Menu