بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه القديم الواحد، الكريم الماجد، المقدّس بكماله عن الشريك والضدّ والمعاند، المتنزّه بوجوب وجوده عن الوالدة والصاحبة والولد والوالد.
أحمَدُه حَمْدَ معترف بآلائه غير شاكّ ولا جاحد، وأشكره على إنعامه المتضاعف المتزايد، شكراً يعجَز عنه الراكعُ والسّاجد.
والصّلاة على سيّد كلّ زاهد، وأشرف كلّ عابد، محمد المصطفى وعترته الأكارم الأماجد، صلاةً تدومُ بدوام الأعصار والأوَابد.
أما بعد، فهذه رسالةٌ شريفةٌ ومقالةٌ لطيفةٌ، اشتملت على أهمّ المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة، التي يحصل بسبب إدراكها نيلُ درجة الكرامة، وهي أحدُ أركان الإيمان، المستحَقّ بسببه الخلود في الجنان، والتخلّص من غضب الرحمان، فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
خدمت بها خزانة السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، ملك ملوك طوائف العرب والعجم، مُولي النعم ومسند الخير والكرم، شاهنشاه المعظّم، غياث الحق والملّة والدّين، أولجايتو محمد خدابنده خلّد اللّه سلطانه، وثبّت قواعد ملكه وشيّد أركانه، وأمدّه بعنايته وألطافه، وأيّده بجميل إسعافه، وقرن دولته بالدوام إلى يوم القيامة.
قد لخّصت فيها خلاصة الدلائل، وأشرت إلى رؤوس المسائل، من غير تطويل مملّ ولا إيجاز مخلّ، وسميتها (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة).
واللّه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب. ورتبتها على فصول:
الفصل الأول: في نقل المذاهب في هذه المسألة
ذهبت الإمامية إلى أن اللّه تعالى عَدْلٌ حكيمٌ لا يفعل قبيحاً ولا يُخِلُّ بواجب، وأن أفعاله إنما تقع لغرض صحيح وحكمة، وأنه لا يفعل الظلم ولا العبث، وأنه رؤوف بالعباد يفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع، وأنه تعالى كلّفهم تخييراً لا إجباراً، ووعدهم بالثواب وتوعّدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورسله المعصومين عليهم السّلام، بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي، وإلاّ لم يبق وثوق بأقوالهم، فتنتفي فائدة البعثة. ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول صلّى اللّه عليه وآله بالأئمة عليهم السّلام، فنصب أولياء معصومين، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم، فينقادون إلى أوامرهم، لئلا يُخلي اللّه تعالى العالم من لطفه ورحمته.
وأنه تعالى لمّا بعث رسوله محمداً صلّى اللّه عليه وآله قام بنقل الرسالة ونصَّ على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب، ثم من بعده ولده الحسن الزكي، ثم الحسين الشهيد، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم الخلف الحجة محمد بن الحسن عليهم السّلام.
وأن النبي لم يمت إلاّ عن وصيّة بالإمامة.
وذهب أهل السنّة إلى خلاف ذلك كلّه، فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى! وجوّزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأنه تعالى لا يفعل لغرض بل كلّ أفعاله لا لغرض من الأغراض، ولا لحكمة ألبتة، وأنه تعالى يفعل الظلم والعبث، وأنه لا يفعل ما هو الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة، لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم، مستندةٌ إليه! تعالى اللّه عن ذلك. وأن المطيع لا يستحق ثواباً والعاصي لا يستحق عقاباً، بل قد يعذب المطيع طول عمره المُبالغ في امتثال أوامره تعالى كالنبي صلّى اللّه عليه وآله! ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون!
وأن الأنبياء عليهم السّلام غير معصومين! بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو وغير ذلك!
وأن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم ينص على إمام بينهم وأنه مات عن غير وصية، وأن الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبو بكر بن أبي قحافة لمبايعة عمر بن الخطاب له برضا أربعة: أبي عبيدة وسالم مولى حذيفة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد! ثم من بعده عمر بن الخطاب بنصّ أبي بكر عليه، ثم عثمان بن عفان بنصّ عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم، ثم علي بن أبي طالب لمبايعة الخلق له.
ثم اختلفوا فقال بعضهم: إن الإمام بعده ابنه الحسن، وبعضهم قال: إنه معاوية ابن أبي سفيان! ثم ساقوا الإمامة في بني أمية إلى أن ظهر السفاح من بني العباس فساقوا الإمامة إليه، ثم انتقلت الإمامة منه إلى أخيه المنصور، ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلى المعتصم، إلى أربعين!