البيعة لعثمان في الشورى
قال قدس سره: ثم عثمان بن عفّان بنصّ عمر على ستّة هو أحدهم، فاختاره بعضهم.
الشرح:
هو عثمان بن عفّان بن أبي العاص الأموي، ولد ـ كما في تاريخ الخلفاء(1) ـ في السنة السّادسة من الفيل، وأسلم بعد أبي بكر، واستخلف ببيعة عبد الرحمن بن عوف في الشورى، ثم كان عبد الرحمن من المقاطعين لعثمان مع أعلام المهاجرين والأنصار لأمور كثيرة نقموها عليه، حتى قاموا ضدّه وقتل في سنة خمس وثلاثين.
وأهل الشورى هم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللّه، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف.
نعم اختاره بعضهم، لكن عمر كان قد أوصى أنه إذا اختلف القوم كان القول قول الذين يكون فيهم عبد الرحمن بن عوف; لعلمه بأن عبد الرحمن لا يختار عليّاً عليه السلام في حال من الأحوال. ثم إن عبد الرحمن احتال على علي عليه السلام بطريقة تمكّنه من العدول عنه إلى عثمان، وذلك أنه لمّا عرض عليه الأمر اشترط عليه السير بسيرة الشيخين، وهو يعلم بإبائه عن أن يُشرط له ذلك… فبايع عبد الرحمن عثمان وتبعه الآخرون. وهذا مذكور في جميع الكتب ولا يمتري فيه أحد.
وبه يظهر ما في قول ابن تيمية: «عثمان لم يصر إماماً باختيار بعضهم، بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفّان، لم يتخلّف عن بيعته أحد… فلمّا بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماماً، وإلاّ لو قدّر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماماً…»(2).
قلت:
أوّلاً: قد أشرنا إلى أن عمر قد جعل الأمر ـ في الحقيقة ـ إلى عثمان، لأنه قد أحاله إلى رأي عبد الرحمن، وهو يعلم بأن عبد الرحمن سوف لا يعدل عن عثمان، وقد أشرنا إلى أنه قد زوى الأمر عن علي بأسلوب يتخيّل الناظر أن عليّاً هو الذي أغضى عن الأمر! بل سنورد في محلّه من الكتاب بعض الشواهد القويّة على ما ذكرنا، فانتظر.
ثانياً: إن بيعة المسلمين لعثمان بن عفّان إنما كانت متابعة لما انتهى إليه الأمر، وهم يظنّون أنه كان عن شورى حقيقة، إذ لم يطّلع على واقع الحال إلا أفراد من بينهم أعداد سمعوا مناشدات أمير المؤمنين عليه السلام، فكانوا من الموالين المقدّمين له على غيره، كأبي الطفيل عامر بن واثلة الذي روى خبر المناشدة، وعرف في كتب معرفة الصحابة بالولاء; ولذا وصف بالتشيّع والرفض.
ثالثاً: إن أهل الشورى، وهم الصحابة أهل الشوكة… عدلوا عن عثمان فيما بعد وقاطعوه… وتلك قضاياهم مذكورة في التواريخ.
ورابعاً: إن جماعة من أعلام السلف وكبار الصحابة يفضّلون عليّاً عليه السلام على أبي بكر فضلاً عن عثمان، ومنهم من يفضّله على عثمان.
ثم إن القوم لم يتعرّضوا هنا أيضاً لـ(الإستحقاق) ولا لحكم (الشورى) في أمر الخلافة، وأنه هل كان لعمر أن يصيّرها شورى؟ ولماذا بين هؤلاء الستّة دون غيرهم… .
ويقول الرجل: «عثمان لم يصر إماماً باختيار بعضهم بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفّان…».
إذن، لم يكن إماماً لانتخابه في الشورى التي جعلها عمر، كما لم تكن إمامته لنصّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله… فلماذا حمل أعضاء الشورى على البيعة بالسيف بوصية من عمر؟ ولماذا لم يترك الأمر إلى المسلمين؟
وإذا كانت إمامته بمبايعة الناس، فإنّهم إنّما بايعوه متابعة لأصحاب الشورى، إذ من الواضح أنه كان بينهم لكلّ منهم أنصار وأتباع، فهل بقي عثمان على ما بايع القوم عليه؟ هذه الأمور كلّها يجب أن تبحث، وستأتي إن شاء اللّه… .
(1) تاريخ الخلفاء: 147.
(2) منهاج السنة 1 / 532 ـ 533.