إمامة علي عليه السلام ببيعة المسلمين
قال قدس سره: ثم علي بن أبي طالب لمبايعة الخلق له.
الشرح:
قال ابن تيمية: «وأمّا قوله: ثم علي لمبايعة الخلق له. فتخصيصه علياً بمبايعة الخلق له دون أبي بكر وعمر وعثمان، كلام ظاهر البطلان»(1).
أقول: سيأتي من العلاّمة ذكر طرف من الأدلّة العقليّة والنقليّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله بلا فصل. أما هنا، فإنه بصدد بيان مذاهب السنّة باختصار حيث قال: «وذهب أهل السنّة إلى خلاف ذلك كلّه… وأن الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبو بكر لمبايعة عمر… ثم من بعده عمر بن الخطاب… ثم عثمان… ثم علي بن أبي طالب…» فهو لا يريد الاستدلال (بمبايعة الخلق له) حتى يقال بأن «تخصيصه عليّاً بمبايعة الخلق له… كلام ظاهر البطلان» بل إن دليل أهل السنّة على جعله الخليفة بعد عثمان (مبايعة الخلق له) لإنكارهم النصّ عليه مطلقاً، وجحدهم حقّه في الخلافة بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله.
وكأن الرجل لم يفهم مراد العلاّمة، فانبرى للدفاع عن الثلاثة، بأن مبايعة الناس لهم كانت أعظم من مبايعتهم له… توهّماً منه بأن العلاّمة يريد الطعن في خلافة القوم من هذه الناحية.
أقول: إن كان المعيار للخلافة (مبايعة الخلق)، فإن المبايعة مع علي كانت في المسجد بمنظر ومسمع من عموم المسلمين، وأمّا المبايعة مع أبي بكر فقد طبخت في السقيفة ودبّرت بليل، ومع عمر، كانت لما زعموه من نصّ أبي بكر عليه، وما علم به إلا عثمان، ومع عثمان لمبايعة أهل الشورى له كما مهّد له عمر من قبل.
ولو كان عدم مبايعة بعض الصحابة ـ كعبد اللّه بن عمر ـ مع علي مضراً بإمامته، فقد نازع سعد وأتباعه أبا بكر الخلافة، واعترض طلحة ـ ومن كان على رأيه ـ على استخلاف أبي بكر لعمر الذي جعلها شورى، لتنتهي إلى عثمان الذي كتب اسم عمر في وصيّة أبي بكر عندما أغمي عليه في الأثناء.
هذا; وقد ثبت ندم ابن عمر على تركه البيعة، بخلاف سعد بن عبادة ومن تبعه، فقد ثبت عنه الإباء عن البيعة حتى قُتِل.
ثم إنه، بعد أن أطال الكلام في هذا المقام بما هو خارج عن المقصود، ولا علاقة له بالبحث هنا أصلاً، تنبه إلى ما قلناه في بيان مراد العلاّمة فأورده هكذا:
«فإن قال: أردت أن أهل السنّة يقولون إن خلافته انعقدت بمبايعة الخلق له لا بالنص، فلا ريب أن أهل السنّة وإن كانوا يقولون بالنص على أن عليّاً من الخلفاء الراشدين لقوله: (خلافة النبوة ثلاثون سنة)، فهم يروون النصوص الكثيرة في صحة خلافة غيره، وهذا أمر معلوم عند أهل الحديث، يروون في صحة خلافة الثلاثة نصوصاً كثيرة، بخلاف خلافة علي فإن نصوصها قليلة…»(2).
وأقول: إن أهمّ الأمور وأولاها هو البحث عن أدلّة الإمامة من العقل والنقل كتاباً وسنّة، وأما الأشياء الأخرى التي يذكرها الرجل، فلا اعتبار بها ولا أثر لها، ولذا لم يذكرها غيره من علماء أهل السنّة في الكتب الكلاميّة، وكان هو المنفرد بها… نعم، لابدّ من طرح تلك الأدلّة والنظر فيها سنداً ودلالة على ضوء قواعد البحث وآداب المناظرة، وهذا ما سيفعله العلاّمة ونوضّحه إن شاء اللّه، فإن النصوص القرآنية والنبويّة هي الطريق الصحيح والمستقيم المؤدّي إلى ما فيه رضى اللّه ورسوله… .
قال قدس سره: ثم اختلفوا فقال بعضهم: إن الإمام بعده ابنه الحسن عليه السلام… .
الشرح:
هو: الإمام السبط الزكي الحسن بن علي، ولد سنة ثلاث من الهجرة، واستشهد بالسمّ على يد جعدة بنت الأشعث، بدسّ من معاوية، سنة خمسين.
قال قدس سره: وبعضهم قال: إنه معاوية بن أبي سفيان! ثم ساقوا الإمامة في بني أميّة، إلى أن ظهر السفاح من بني العباس، فساقوا الإمامة إليه، ثم انتقلت الإمامة منه إلى أخيه المنصور، ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلى المعتصم، إلى أربعين!
الشرح:
سيأتي بعض الكلام حول نسب معاوية، ووقت إسلامه، ومنكراته زمن حكومته.
وأبو العباس السفّاح هو: عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس، أوّل ملوك بني العباس. توفي سنة 136.
(1) منهاج السنة 1 / 534.
(2) منهاج السنة 1 / 545.