9 ـ دفاعه عن النواصب
وعن النواصب أيضاً، يدافع بكثرة، ويستند إلى أقوالهم، ويعارض بها الأدلّة القويمة، فمثلا:
يقول العلاّمة في عائشة: «وخرجت في ملأ من الناس لتقاتل علياً على غير ذنب… فأيّ ذنب كان لعلي؟ وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك؟ وبأيّ وجه يلقون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟».
فيقول ابن تيميّة في الجواب: «إنّهم يعظّمون عائشة في هذا المقام طعناً في طلحة والزبير، ولا يعلمون أن هذا إن كان متوجّهاً فالطعن في علي بذلك أوجه، فإن طلحة والزبير كانا معظّمين عائشة، موافقين لها، مؤتمرين بأمرها، وهما وهي من أبعد الناس عن الفواحش والمعاونة عليها.
فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول: بأيّ وجه تلقون رسول الله… مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها ولم يكن إخراجها لمظانّ الفاحشة. كان لناصبي أن يقول: بأيّ وجه يلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قاتل امرأته وسلّط عليها أعوانه، حتى عقروا بها بعيرها، وسقطت من هودجها…
والمقصود هنا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما هو أعظم منه في حقّ علي…»(1).
أقول:
فاقرأ واحكم!
ومثلا: يقول العلاّمة: «إنّهم سمّوا عائشة أمّ المؤمنين ولم يسمّوا غيرها بذلك».
أقول:
وهذا سؤالٌ وجيهٌ، لا سيّما وأن ابن تيمية يصرّح بأنّ أهل السنّة ليسوا مجمعين على أن عائشة أفضل نسائه(2).
فيقول ابن تيمية: «هذا من البهتان الواضح الظاهر لكلّ أحد، وما أدري هل هذا الرجل وأمثاله يتعمّدون الكذب، أم أعمى الله أبصارهم لفرط هواهم حتى خفي عليهم أن هذا كذب، وهم ينكرون على بعض النواصب أن الحسين لما قال لهم: أما تعلمون أني ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: والله ما نعلم ذلك…!»(3).
أقول:
أيّ ناصبي يقول هذا؟ ولماذا يذكره لو قاله قائل منهم؟ وما ارتباطه بالمطلب؟ أكلّ هذا دفاعاً عن عائشة وطلحة والزبير… الذين خرجوا إلى «البصرة» يطلبون قتلة عثمان في «المدينة»، ويخرجون على إمام زمانهم وولي أمرهم؟ الأمر الذي لأجله ـ مع اُمور اُخرى ـ سمّوها بـ «أم المؤمنين» دون غيرها من زوجات النبي ورفعوا منزلتها عليهنّ؟!
ومثلا: يقول ابن تيمية ـ دفاعاً عن معاوية ـ: «وأمّا الرافضي، فإذا قدح في معاوية بأنه كان باغياً ظالماً، قال له الناصبي: وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً لمّا قاتل المسلمين على إمارته، وبدأهم بالقتال وصال عليهم، وسفك دماء الامّة بغير فائدة…»(4).
أقول:
لا يخفى أن هذا هو رأي ابن تيمية… وقد تقدّمت كلماته حول أميرالمؤمنين عليه السّلام، لا سيّما إصراره على أن حربه في الجمل وصفين كان فتنةً وشرّاً ونحو ذلك، وأنه كان هو البادي في حرب صفين…
فاعرف ـ إذن ـ من «الناصبي»!!
وقال ابن تيمية أيضاً ـ دفاعاً عن معاوية والفرقة الباغية ـ: «ثم يقال لهؤلاء الرافضة: لو قالت لكم النواصب: علي قد استحلّ دماء المسلمين وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: سباب المسلم وقتاله كفر… لم تكن حجتكم أقوى من حجّتهم، لأن الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة.
وأيضاً، يقولون: قتل النفوس فساد، فمن قتل النفوس على طاعته كان مريداً للعلوّ في الأرض والفساد، وهذا حال فرعون، والله تعالى يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ…)(5).
أقول:
تقدّمت هذه الكلمات عن ابن تيمية مباشرة من دون نسبة منه لها إلى النواصب… فاقرأ واحكم من «الناصبي»؟
(1) منهاج السنة 4/353ـ357.
(2) منهاج السنة 4/301ـ302.
(3) منهاج السنة 4/367.
(4) منهاج السنة 4/389.
(5) منهاج السنة 4/500.