8 ـ له فتاوى كثيرة تخالف النصوص
وذكر ابن تيميّة بأنّ لعلي فتاوى كثيرة تخالف النصوص، حتى جمع الشافعي مجلّداً في خلاف علي وابن مسعود، وجمع محمّد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً في ذلك(1).
وقال مرّة أخرى: «وقد جمع الشافعي في كتاب خلاف علي وعبدالله من أقوال علي التي تركها الناس، لمخالفتها النص أو معنى النص، جزءاً كبيراً. وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك، فإنّه كان إذا ناظره الكوفيّون يحتجّ بالنصوص، فيقولون نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود، فجمع لهم أشياء كثيرة من قول علي وابن مسعود تركوه أو تركه الناس»(2).
أقول:
لا يخفى الفرق بين الكلامين، هل قصدا جمع الفتاوى التي خالف علي وابن مسعود فيها النصوص من الكتاب والسنّة، أو جمع الفتاوي التي تركها الناس أو خالفوها؟
يقول في موضع ثالث: «وقد جمع الشّافعي ومحمّد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً فيما لم يأخذ به المسلمون من قول علي…»(3).
ففي هذا الكلام: إنهما جمعا مالم يأخذ به المسلمون من قول علي، وأين هذا من جمعهما ما خالف فيه النصوص!!
على أنّه ينسب عدم الأخذ بقوله عليه السلام إلى «المسلمين».
لكنه في موضع آخر يصرّح بأنّ الكتابين إنّما أُلّفا للنقض على أهل العراق الذين كانوا يدّعون متابعة علي وابن مسعود، فجمعا فيهما ما تركوه من أقواله، وهذا نصّ كلام ابن تيميّة:
«وقد جمع الشافعي في ذلك كتاباً فيه خلاف علي وابن مسعود، لمّا كان أهل العراق يناظروفه في المسألة، فيقولون: قال علي وابن مسعود… وجمع بعده محمّد ابن نصر المروزي كتاباً أكبر من ذلك بكثير، ذكره في مسألة رفع اليدين في الصلاة، لمّا احتجّ عليه فيها بقول ابن مسعود»(4).
وهل من عيب على علي فيما لو ترك «أهل العراق» أو «المسلمون» كلّهم شيئاً من أقواله؟
أقول:
لكنّ الحقيقة أنّ المروزي جمع كتاباً فيما خالف فيه أبو حنيفة عليّاً وعبدالله ابن مسعود، فقد حكى السّبكي والذهبي عن أبي إسحاق الشيرازي: «إن المروزي صنّف كتاباً في ما خالف فيه أبو حنيفة علياً وعبدالله رضي الله عنهما»(5).
هذه هي الحقيقة وهذه هي أمانة (شيخ الإسلام) كما يلقّبه أتباعه!! «وأترك الحكم للقارئ المنصف الذي يريد الله والدار الآخرة».
وأمّا الشافعي، فالمعروف حبّه لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السّلام، وأشعاره في ذلك مشهورة، حتى رمي بالرّفض.. مضافاً إلى أن المنقول عنه: أنّه لمّا أجاب عن مسألة قيل له: خالفت علي بن أبي طالب! فقال له: ثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب، حتى أضع خدّي على التراب وأقول قد أخطأت»(6).
(1) منهاج السنة 7/502.
(2) منهاج السنة 8/299.
(3) منهاج السنة 8/281.
(4) منهاج السنة 6/441.
(5) طبقات الشافعية الكبرى الترجمة 60، محمد بن نصر المروزي 2/247، سير أعلام النبلاء الترجمة 13، محمد بن نصر 14/38 عن طبقات الشافعية لأبي إسحاق الشيرازي 106ـ107 بترجمة المروزي.
(6) الفهرست لابن النديم ـ الفن الثالث من المقالة السادسة في أخبار الشافعي وأصحابه: 259.