الإطناب لئلاّ يظهر إقراره بما قاله العلاّمة
وهذا أيضاً من أساليبه، فهو لا يعترف رأساً وفي أوّل الأمر بما ينسبه إليهم العلامة من العقائد مثلا، بل يتكلّم كثيراً ويخلط، وقد يخرج عن البحث، وفي الأثناء ـ أو في آخر الكلام ـ يضطرُّ إلى الإعتراف، فيتخيّل أنّ الحق يضيع على الباحثين.
* فمثلا تراه في جواب قول العلاّمة ـ في الأمور الشنيعة المترتبة على مذهب القوم ـ: «ومنها: أنه يلزم تكليف ما لا يطاق، لأنه تكليف للكافر بالإيمان ولا قدرة له عليه، وهو قبيح عقلا» يذكر وجوهاً، ويطيل الكلام، ثم يقول في آخره:
«إن من أهل الإثبات للقدر من يجوّز تكليف ما لا يطاق للعجز عنه، بل من غاليتهم من يجوز تكليف الممتنع لذاته، وبعضهم يدّعي أنّ ذلك واقع في الشريعة…»(1).
* ويقول في جواب قول العلاّمة: «ومنها: انّه يلزم أن تكون أفعالنا الإختيارية… كالأفعال الإضطرارية…»:
«والجواب: إن هذا إنما يلزم من يقول: إن العبد لا قدرة له على أفعاله الإختيارية، وليس هذا قول إمام معروف ولا طائفة معروفة من طوائف أهل السنّة، بل ولا من طوائف المثبتين للقدر، إلاّ ما يحكى عن الجهم بن صفوان وغلاة المثبتة أنهم سلبوا العبد قدرته… وأشد الطوائف قرباً من هؤلاء هو الأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم… وقد قلنا غير مرّة: نحن لا ننكر أن يكون في بعض أهل السنة من يقول الخطأ، لكن لا يتفّقون على خطأ كما تتّفق الإمامية على خطأ…»(2).
* ويقول في جواب قول العلاّمة بأن أهل السنّة يغيّرون بعض الأحكام الشرعية، لكونها أصبحت شعاراً للشيعة الاثني عشرية، كالتختّم باليمين وغيره:
«والجواب من طريقين:
أحدهما: إن هذا الذي ذكره هو بالرافضة ألصق.
والثاني: إن أئمة السنّة برآء من هذا» قاله في الصفحة 137.
ثم يبيّن الطريقين ويطنب في الكلام جدّاً… ويتهجّم فيه على الشيعة ويفتري.. إلى أن يقول في الصفحة: 154: وفي الأسطر الأخيرة من الفصل:
«إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبّاً. ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذا صارت شعاراً لهم، فإنّه لم يترك واجباً بذلك، لكن قال في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميّز السنّي من الرافضي، ومصلحة التميّز عنهم ـ لأجل هجرانهم ومخالفتهم ـ أعظم من مصلحة هذا المستحب…»(3).
أقول:
فكيف يقول في أول الكلام: «والجواب من طريقين…»؟ و«إنّ أئمة السنّة برآء من هذا»؟
* ويقول ـ في جواب العلاّمة حيث ذكر من بدع القوم: ذكر الخلفاء في الخطبة ـ: «الجواب من وجوه» فيظنُّ النّاظر أنّه سيجيب عمّا نسبه العلاّمة إليهم في هذا المجال، لكنّه يذكر وجوهاً ويلوف ويدور من الصفحة 156 ـ إلى الصفحة 170… فتراه يقول في الأثناء ما نصّه:
«وإذا كان ذكر الخلفاء الراشدين هو الذي يحصل به المقاصد المأمور بها عند مثل هذه الأحوال، كان هذا مما يؤمر به في مثل هذه الأحوال، وإن لم يكن من الواجبات التي تجب مطلقاً…»(4).
وهكذا في موارد اُخر لا نطيل بذكرها…
(1) منهاج السنة 3/107.
(2) منهاج السنة 3/109ـ110، ولاحظ الصفحات بعدها.
(3) منهاج السنة 4/154.
(4) منهاج السنة 4/166.