نزول (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد) كذب
وروى الأئمة الأعلام من أهل السنّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لمّا نزلت الآية(1) ـ قال: أنا المنذر وعلي الهادي، بك ـ يا علي ـ يهتدي المهتدون بعدي… ومن رواته:
عبد الله بن أحمد بن حنبل، والطبري، والحاكم، وابن أبي حاتم، والضياء المقدسي، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عساكر، وابن النجار، والديلمي، والهيثمي، والسّيوطي، والمتقي الهندي…(2).
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد».
وقال الهيثمي: «قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ) عن علي ـ رضي الله عنه ـ في قوله: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد)قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنذر، والهادي: رجل من بني هاشم.
رواه عبد الله بن أحمد والطبراني في الصغير والأوسط، ورجال السند ثقات».
والضياء المقدسي أخرجه في (المختارة) كما في (الدر المنثور) وهو كتابٌ التزم فيه بالصحّة.
فهذا هو الحديث، وهؤلاء جملة من رواته ومصحّحيه، ويقول ابن تيميّة; «إنّ هذا كذب موضوع باتّفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه وردّه»(3).
ونحن نكتفي بهذا القدر، وإلاّ فقد قال في نزول قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ…)في علي «كذب باتّفاق أهل العلم بالحديث والسيرة»(4). وفي قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ): «إن هذا باطل»(5) وفي قوله تعالى: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ…): «الحديث المذكور كذب موضوع»(6) وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ): «إن هذا أعظم كذباً وفريةً»(7)…
وهكذا في آيات غيرها…
مع أنّ رواة ما ورد في ذيلها من الأحاديث هم من مشاهير أهل السنة من السّلف والخلف…
وقد سبق تكذيبه نزول قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) في علي عليه السلام. كما سيأتي كلامه حول نزول (هَلْ أَتَى…) و (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا…).
أقول:
وللمزيد من التعرف على ابن تيميّة ننقل ما يلي:
1 ـ لقد جاء في جوابه عن الإستدلال بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ما هذا نصّه:
«والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل… الثاني: إنّ هذا ممّا هو كذب موضوع باتّفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات. الثالث: أن يقال: هذا معارض بمن يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) هم: النواصب، كالخوارج وغيرهم، ويقولون: إنّ من تولاّه فهو كافر مرتد، فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويحتجّون على ذلك بقوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قالوا: ومن حكّم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما أنزل الله، فيكون كافراً…
فهذا وأمثاله من حجج الخوارج، وهو وإن كان باطلا بلا ريب، فحجج الرافضة أبطل منه، والخوارج أعقل وأصدق وأتبع للحق من الرافضة، فإنّهم صادقون لا يكذبون، أهل دين ظاهراً وباطناً…»(8).
2 ـ لقد جاء في جوابه عن استدلال الإماميّة بقوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ): «والجواب من وجوه..» إلى أن قال:
«ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب، ولكنّ الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وللكذّابين الويل ممّا يصفون.. وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم، كقولهم في قوله (فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ): طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية. فيقابل هذا بقول الخوارج: إنهم علي والحسن والحسين!
وكلّ هذا باطل، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجتهم، والدليل على فسادها يعمّ النوعين، فعلم بطلان الجميع»(9).
وسنذكر فيما بعد كلامه حول قوله تعالى: (وَكَانَ الاِْنسَانُ أَكْثَرَ شَيْء جَدَلاً)وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى).
(1) سورة الرعد: 7.
(2) الدر المنثور، وتفسير الطبري، وتفسير الرازي وغيرها من التفاسير، بتفسير الآية، والمستدرك على الصحيحين 3/129، مجمع الزوائد 7/41، كنز العمال.
(3) منهاج السنة 7/139.
(4) منهاج السنة 7/112.
(5) منهاج السنة 7/154.
(6) منهاج السنة 7/294.
(7) منهاج السنة 7/33.
(8) منهاج السنة 7/259.
(9) منهاج السنة 7/295ـ297.