من نصوص الحديث
في المسند: «عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر خليفة»(1).
وفيه: «عن مسروق قال: كنّا جلوساً عند عبدالله بن مسعود ـ وهو يقرؤنا القرآن ـ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كم تملك هذه الامّة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: اثنا عشر، كعدّة نقباء بني إسرائيل»(2).
وفيه: «عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فكتب إليَّ: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ يوم جمعة عشية رجم الأسلمي ـ يقول: لا ـ يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(3).
وفي مسلم: «عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش».
وفيه: «عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة…»وفيه: «عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا ـ يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا. ثم تكلّم النبي صلّى الله عليه وسلّم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: كلّهم من قريش»(4).
وفي البخاري: «سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: يكون اثنا عشر أميراً. فقال كلمةً لم أسمعها. فقال أبي إنه قال: كلّهم من قريش»(5).
وفي الترمذي: «عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم; يكون من بعدي اثنا عشر أميراً. ثم تكلّم بشيء لم أفهمه، فسألت الذي يليني فقال قال: كلّهم من قريش».
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة… وفي الباب عن ابن مسعود وعبدالله بن عمرو»(6).
وفي أبي داود: «عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبّر الناس وضجّوا. ثم قال كلمةً خفية، قلت لأبي: يا أبة ما قال؟ قال: كلّهم من قريش»(7).
وفي الطبراني: عن جابر بن سمرة: «يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر قيّماً لا ـ يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش»(8).
وفي هذه الأحاديث نقاط:
1 ـ إن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد نصَّ على هذا الأمر، وأخبر به غير مرّة، وعلى وجه القطع واليقين، وفي مواضع مختلفة…
2 ـ إنّه نصَّ على أنّ هؤلاء الاثني عشر من بعده «خلفاء» و«اُمراء» على الامّة.
3 ـ إنّه نصّ على أن «خلافة» و«أمارة» هؤلاء باقية إلى قيام السّاعة.
4 ـ إنّه نصّ على أنّ عزّ الإسلام وبقاء الدّين منوط بأمارة هؤلاء وخلافتهم.
5 ـ إنّه نصّ على ثبوت خلافتهم وإمامتهم وإن خولفوا وخذلوا.
وإنه ليبطل ـ بالنظر إلى هذه الأحاديث وما دلّت عليه ـ ما ذكره ابن تيمية، وجميع ما ذكره غيره في معنى الحديث، وهذا هو الوجه في اعتراف غير واحد من أئمتهم بعدم فهمه.
وبعد:
فإنّ الملاحظ على كلام ابن تيمية ـ بعد غض النظر عن الإفتراء على الشيعة وإهانتهم ـ اُمور، أهمّها:
أولا: إنّه يعدّ معاوية ـ وجماعةً من بني اُميّة بعده ـ من «الاثني عشر» وهذا يناقض تصريحه في غير مقام بأنّ معاوية وبني اُميّة ملوك وليسوا بخلفاء(9). وهذا ما نصّ عليه جمهورهم بل كلّهم، أخذاً بحديث سفينة: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً» وعليه تلميذه والمحامي عنه ابن كثير الدمشقي(10).
وثانياً: إنّه لم يذكر في «الاثني عشر» الإمام الحسن بن علي عليه السلام، وقد نصّ كثير من أعلام القوم على كونه عليه السّلام من «الخلفاء» ومنهم تلميذه والذابّ عنه: ابن كثير حيث قال: «أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، خلافتهم محقّقة بنص حديث سفينة: الخلافة بعدي ثلاثون سنة. ثم بعدهم: الحسن بن علي كما وقع، لأنّ عليّاً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية، كما دلّ عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري»(11).
وثالثاً: إنّه لم يذكر «المهدي» الذي سيلي أمر الامّة، كما في الأحاديث المتواترة، والذي لأجله أورد أبو داود هذا الحديث في «كتاب المهدي» من «صحيحه».
ورابعاً: هل «علي» عليه السلام من هؤلاء «الاثني عشر» أولا؟
إذا كان المراد من «الاثني عشر» في هذه الأحاديث هم «الذين استولوا على جميع المملكة الإسلامية، وقهروا جميع أعداء الدين، وكان الإسلام في زيادة وقوّة، عزيزاً في جميع الأرض» فقد نصّ على أن علياً «لم يتمكّن في خلافته من غزو الكفار، ولا فتح مدينة، ولا قتل كافراً، بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض، حتى طمع فيهم الكفار… حتى يقال: فأيّ عز للإسلام في هذا…».
فعلي ليس من هؤلاء… وهذا وإن لم يصرح به ابن تيمية، فهناك من ينصُّ عليه، بناءً على أنّ المراد من «الاثني عشر» هم «من تجتمع عليه الامّة»، وعلي لم ـ تجتمع عليه الامّة.. فراجع شروح الصحيحين والترمذي، كالنووي وابن حجر وابن العربي وغيرهم، والبداية والنهاية لابن كثير أيضاً…
ثم يقول ابن تيمية ـ في آخر كلامه في هذا الفصل ـ: «والمقصود هنا أنّ الحديث الذي فيه ذكر الاثني عشر خليفة ـ سواء قدّر أنّ علياً دخل فيه أو قدّر أنّه لم يدخل ـ فالمراد بهم من تقدّم من الخلفاء من قريش، وعلي أحقّ الناس بالخلافة في زمنه، بلا ريب عند أحد من العلماء».
وخامساً: هل كان في زمن من ذكره عزّ للإسلام وقوام للدين؟ وهل كان يزيد مثلا كذلك؟ أكان في قتل الحسين وإباحة المدينة وهدم الكعبة عزّ للإسلام وقوام للدين؟
وسادساً: هل تصدّقه في قوله: «وأعظم ما نقمه الناس على بني اُميّة…»؟
هل كان «تكلّم» أو كان «سب»؟ وهل كان السبّ فقط، ولم يقع على شيعته القتل والنّهب؟ وهل كان «تأخير الصّلاة» فقط؟
وسابعاً: لو سلّمنا ما ذكره ابن تيمية في تعيين الاثني عشر، فإنّ الذين ذكرهم قد انتهى أمدهم في القرن الثاني، والأحاديث دلّت على بقاء خلافة الاثني عشر وأمارتهم وإمامتهم حتى قيام السّاعة!
(1) مسند أحمد ـ حديث جابر بن سمرة، الحديث 20508 ـ 6/119.
(2) مسند أحمد ـ مسند عبدالله بن مسعود، الحديث 3772، 1/657.
(3) مسند أحمد ـ حديث جابر بن سمرة، الحديث 20319، 6/93 ـ 94.
(4) صحيح مسلم، كتاب الامارة، باب الخلافة في قريش 12/201 ـ 203.
(5) صحيح البخاري، كتاب الاحكام، باب الاستخلاف، الباب 1148، الحديث 2034، 4/729.
(6) الجامع الصحيح ـ سنن الترمذي ـ كتاب الفتن، الباب 46، ما جاء في الخلفاء: 609.
(7) سنن أبي داود، كتاب المهدي، الحديث 4280، 2/508.
(8) كنز العمال، الباب الرابع في القبائل، الحديث 33858، 12/33، عن الطبراني.
(9) منهاج السنّة 4/522.
(10) البداية والنهاية ـ الأخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش 6/279.
(11) البداية والنهاية ـ الأخبار عن الائمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش ـ 6/279.