معنى قوله: الرزيّة كلّ الرزيّة
وقال العلامة: «وروى أصحاب الستّة من مسند ابن عبّاس: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في مرض موته: إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتاباً لا تضلّون به بعدي. فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله، فكثر اللّغط، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اُخرجوا عنّي لا ينبغي التنازع لديّ. فقال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».
فأجاب ابن تيميّة:
«وأمّا قصّة الكتاب الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يكتبه فقد جاء مبيّناً… والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلمّا رأى أن الشك قد وقع، علم أنّ الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة، وعلم أنّ الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال: ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر.
وقول ابن عبّاس: إن الرزيّة… يقتضي أنّ هذا الحائل كان رزيّة، وهو رزيّة في حقّ من شك في خلافة الصدّيق أو اشتبه عليه الأمر، فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك، فأمّا من علم أنّ خلافته حق فلا رزيّة في حقه، ولله الحمد.
ومن توهّم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضالٌّ باتّفاق عامّة الناس من علماء السنّة والشيعة. أما أهل السنة فمتّفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأمّا الشيعة القائلون بأنّ علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نصَّ على إمامته قبل ذلك نصّاً جليّاً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب»(1).
«وهذا الحديث الصحيح، فيه همّه بأن يكتب لأبي بكر كتاباً بالخلافة لئلاّ يقول قائل: أنا أولى… وقد أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك مرّتين في مرضه.. ولهذا قال ابن عبّاس: إن الرزيّة… فإن ذلك رزيّة في حقّ من شك في خلافة الصدّيق وقدح فيها…»(2).
أقول:
قد تقدّم في غضون البحوث السّابقة ما يبيّن كذب ابن تيميّة في عدّة من الامور التي نسبها إلى ابن عبّاس، وحاصل ذلك: إنّه كان من أقرب تلامذة الإمام وأصحابه وأنصاره، المفضّلين له على غيره، والمطيعين له في جميع الشئون، وقد ذكرنا في (الشرح) أنّه كان على قول أميرالمؤمنين عليه السلام في المتعتين، وما نسب إليه من المخالفة فكذب موضوع، وكذا قضيّة تصرّفه في أموال البصرة، كما بيّنا هناك واقع الحال في كلمته: الرزيّة كلّ الرزيّة…
(1) منهاج السنة 6/23ـ25.
(2) منهاج السنة 8/571ـ573.