وأمّا قول ابن عمر: ما كنّا نعرف…
فإنَّ هذا القول لا يختص به، بل روي أيضاً عن: أبي ذر، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن العبّاس، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وغيرهم.
ومن رواة تلك الأخبار من الأئمة والحفاظ: أحمد، والترمذي، والبزّار، والطبراني، والحاكم، والخطيب البغدادي، وأبو نعيم الإصفهاني، وابن عساكر، وابن عبد البر، وابن الأثير، والنووي، والهيثمي، والمحب الطبري، والذهبي، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتقي الهندي، والآلوسي…
ومن أسانيده:
* ما أخرجه أحمد قال: «حدّثنا أسود بن عامر قال: حدّثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: إنّما كنّا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً»(1).
أقول:
وهؤلاء كلّهم من رجال الصحاح، وأبو صالح هو ذكوان السماّن.. فالسّند صحيح بلا كلام.
* وما أخرجه الترمذي: «حدّثنا قتيبة، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب.
قال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي هارون، وقد تكلّم شعبة في أبي هارون العبدي.
وقد روي هذا عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد»(2).
أقول: أمّا السّند الثاني فقد عرفت صحته، وإنما أشار إليه الترمذي ليزيل الإشكال في الأول، لاشتماله على أبي هارون وهو «عمارة بن جوين العبدي».
لكن يظهر السّب في تكلّمهم في أبي هارون العبدي من العبارة التالية:
«قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنّه ضعيف الحديث، وقد تحامل بعضهم فنسبه إلى الكذب، روي ذلك عن حماد بن زيد، وكان فيه تشيّع، وأهل البصرة يفرطون فيمن يتشيّع بين أظهرهم لأنّهم عثمانيون».
قال ابن حجر: «قلت: كيف لا ينسبونه إلى الكذب؟ وقد روى ابن عدي في الكامل عن الحسن بن سفيان، عن عبد العزيز بن سلام، عن علي بن مهران، عن بهز بن أسد قال: أتيت إلى أبي هارون العبدي فقلت: أخرج إليّ ما سمعت من أبي سعيد، فأخرج لي كتاباً فإذا فيه: حدّثنا أبو سعيد: أن عثمان اُدخل حفرته وإنّه لكافر بالله. قال قلت: تُقرّ بهذا؟ قال: هو كما ترى. قال: فدفعت الكتاب في يده وقمت. فهذا كذب ظاهر على أبي سعيد»(3).
أقول:
هنا نقطة مهمة وهي انّ:
إعتماد ابن حجر على نقل «بهز بن أسد» مثل هذا عجيب جداً، فإنّ هذا الرجل من النواصب، وقد ذكره ابن حجر في عداد من تكلّم فيه من رجال البخاري لأجل مذهبه(4) وهو من أهل البصرة أيضاً!!
* وما أخرجه ابن عبد البر قال: «وروى عمّار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه»(5).
وهذا سند صحيح.
* وما أخرجه الحاكم بإسناده «عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلّف عن الصلوات، والبغض لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»(6).
(1) فضائل الصحابة ـ فضائل علي الترجمة 979 ـ 2/715.
(2) صحيح الترمذي، كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب، الحديث 3726: 979.
(3) تهذيب التهذيب ـ الترجمة 5018، عمارة بن جوين 7/349.
(4) مقدمة فتح الباري ـ الفصل التاسع في تمييز أسباب الطعن في المذكورين: 460.
(5) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ باب علي، الترجمة 1855، علي بن أبي طالب رضي الله عنه 3/1110.
(6) المستدرك على الصحيحين ـ كتاب معرفة الصحابة، الحديث 4643، 3/139.