لا عتب من النبي على عثمان وقد عتب على علي
بل إنّه يفضّل تزويج عثمان! فيقول:
«بل لو قال القائل: إنّه لا يعرف من النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه عتب على عثمان في شيء، وقد عتب على علي في غير موضع، لما أبعد. فإنّه لمّا أراد أن يتزوّج بنت أبي جهل اشتكته فاطمة لأبيها…»(1).
وقال: «مصاهرة عثمان له لم يزل فيها حميداً، لم يقع منه ما يعتب عليه فيها حتى قال: لو كان عندنا ثالثة لزوّجناها عثمان. وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي صلّى الله عليه وسلّم أكمل من مصاهرة علي له»(2).
أقول:
وهنا مطالب:
الأوّل: في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ردّ أبا بكر وعمر، واعتذر بأنّ زواجها بيد الله، ثم لمّا خطبها علي زوّجها منه وصرّح بأنه كان بأمر من الله.
والأحاديث في هذا كثيرة وصحيحة(3).
ولذا، فقد كان قد تمنّى بعض الصحابة أن يكون صهره على فاطمة، وأن ذلك أحبّ إليه ممّا طلعت عليه الشّمس(4).
وبالجملة، فهذا كلّه من الخصائص، وبذلك تثبت أفضلية أميرالمؤمنين عليه السلام من أبي بكر وعمر وعثمان، كما هو واضح.
والثاني: في أن زينب التي تزوّجت أبا العاص بن الربيع، ورقيّة واُمّ كلثوم اللّتين تزوّجتا عثمان، بنات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على الحقيقة أولا؟ بحث واسع بين علماء الفريقين منذ القديم… وليس هنا موضع بسط الكلام فيه.
والثالث: في أنّه لم يكن من عثمان شيء يستوجب العتب من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بحث كبير، ليس هنا موضعه، وسيأتي قريباً أنّه عتب على جميع الصحابة غير علي.
والرّابع: في أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لو كانت لنا ثالثة» كما ذكر ابن تيمية، أو: «لو كنّ عشراً لزوجتهنّ عثمان» كما ذكر ابن سعد؟(5)
أمّا ابن تيمية فلم يذكر للخبر راوياً ولا سنداً، وهو ما زال يطالب في البحوث بالسّند الصحيح!! نعم ذكره محقّقه في الهامش ونصّ على ضعفه.
وأمّا ابن سعد، فقد عنون «اُمّ كلثوم بنت رسول الله» فذكر امّها وزوجها الأول ـ وهو عتبة بن أبي لهب ـ ثم إنّ عثمان خلف عليها وأنّها ماتت عنده فقال رسول الله: «لو كنّ عشراً لزوّجتهنّ عثمان» فأين الإسناد؟
على أنّا لو راجعنا أخبار ما جرى من عثمان على البنتين، لعلمنا بالقطع كذب مثل هذين الخبرين!
الخامس: في أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام خطب ابنة أبي جهل، واشتكته فاطمة إلى النبي، فخطب رسول الله فقال…
(1) منهاج السنة 4/242.
(2) منهاج السنة 8/235.
(3) وهي من روايات: النسائي، وابن جرير الطبري، والطبراني، والحاكم، والخطيب، وابن عساكر، والبيهقي، والهيثمي، والمتقي الهندي، وغيرهم، فراجع: الخصائص ـ الحديث 126، ذكر ما خصّ به علي دون الاولين والآخرين من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 171ـ172، رقم 123 فما بعد، ومجمع الزوائد، كتاب المناقب باب في فضلها وتزويجها بعلي رضي الله عنهما، 9/204 ونصّ على أن رجاله ثقات. كنز العمال ـ كتاب الفضائل، فضائل علي رضي الله عنه الحديث 32891، 11/344. فيض القدير شرح الجامع الصغير الحديث 1693، 2/271 ـ 272. ذخائر العقبى ـ ذكر ما جاء في مهرها وكيفية تزويجها: 27 ـ 29 ذكر أن تزويج فاطمة علياً كان بأمر الله عزوجل: 29: 30. ذكر أن الله أمره صلّى الله عليه وسلّم أن يتخذه صهراً: 86.
(4) خصائص أمير المؤمنين ـ ذكر ما خص به علي دون الأوّلين والآخرين الحديث 126: 171 ـ 172.
(5) الطبقات الكبرى ـ ذكر بنات رسول الله (ص) الترجمة 4100، اُم كلثوم بنت رسول الله، 8/31.